Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 80-82)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : لبني إسرائيل ، بعد ما أنجاهم من الغرق ، وأفاض عليهم من فنون النعم الدينية والدنيوية : { يا بني إِسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم } فرعون وقومه ، حيث كانوا { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } [ البَقَرَة : 49 ] ، { ووعدناكم جانبَ الطُّورِ الأيمنِ } أي : واعدناكم بواسطة نبيكم ، إتيان جانب الطور ، الجانب الأيمن منه للمناجاة وإنزال التوراة . وهل هو الطور الذي أبصر فيه النار ووقعت فيه الرسالة ، أو غيره ؟ خلاف . ونسبة المواعدة إليهم مع كونه لموسى عليه السلام خاصة ، أو له وللسبعين المختارين ، نظرٌ إلى ملابستها إياهم ، وسراية منفعتها إليهم ، وإعطاء لمقام الامتنان حقه . كما في قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } [ الأعرَاف : 11 ] حيث نسب الخلق والتصوير للمخاطبين ، مع أن المخلوق كذلك هو آدم عليه السلام . ثم قال تعالى : { ونزَّلنا عليكم } حين تُهتم ، { المنَّ والسَّلْوى } أي : الترنجبين والطير السُّماني ، حيث كان ينزل عليهم المنَّ وهم في التيه ، مثل الثلج ، من الفجر إلى الطلوع ، لكل إنسان صالح ، ويبعث الجنوب عليهم السُّماني ، فيذبح الرجل منه ما يكفيه . وقلنا لهم : { كُلوا من طيباتِ ما رزقناكم } أي : من لذائده ، أو حلاله . وفي البدء بنعمة الإنجاء ثم بالنعمة الدينية ثم بالنعمة الدنيوية من حسن الترتيب ما لا يخفى . { ولا تطغَوا فيه } أي : فيما رزقناكم بالإخلال بشكره ، والتَعدي لما حَدَّ لكم فيه ، كالترفه والبطر والمنع من المستحق . وقال القشيري : مجاوزة الحلال إلى الحرام ، أو بالزيادة على الكفاف وما لا بُدَّ منه ، فأزاد على سدِّ الرمق ، أو بالأكل على الغفلة والنسيان . هـ . وقيل : لا تدخروا ، فادَّخروا فتعودوا ، وقيل : لا تنفقوه في المعصية ، { فيَحِلَّ عليكم غضبي } بفعل شيء من ذلك ، أي : ينزل ويجب ، من حَلَّ الدين إذا وجب . { ومَن يَحْلِلْ عليه غضبي فقد هَوَى } أي : تردَّى وهلك ، أو وقع في المهاوي . { وإِني لغفارٌ } أي : كثير الغفران { لمن تابَ } عن الشرك والمعاصي ، التي من جملتها الطغيان فيما ذكر ، { وآمن } بما يجب الإيمان به ، { وعَمِلَ صالحًا } أي : عملاً صالحًا مستقيمًا عند الشرع ، وفيه ترغيب وحث لمن وقع في زلَّة أو طغيان على التوبة والإيمان ، { ثم اهتدى } أي : استقام على الهدى ودام عليها حتى مات . وفيه إشارة إلى أن من لم يستمر عليها بمعزل عن الغفران . قال الكواشي : { ثم اهتدى } أي : علم أن ذلك بتوفيق من الله تعالى . هـ . الإشارة : إذا ذهبت عن العبد أيام المحن ، وجاءت له أيام المنن ، فينبغي له أن يتذكر ما سلف له من المحن ، وينظر ما هو فيه الآن من المنن ، ليزداد شكرًا وتواضعًا ، فتزداد نعمه ، وتتواتر عليه الخيرات . وأما إن نسي أيام المحن ، ولم يشكر ما هو فيه من المنن ، فحقيق أن تزول عنه ، ويرجع إلى ما كان عليه . وتَذَكَّرْ حديث الأبرص والأقرع والأعمى ، حسبما في الصحيح . فإن الأبرص والأقرع ، حين شفاهما الله وأغناهما ، أنكرا ما كانا عليه ، فرجعا إلى ما كانا عليه ، والأعمى حين أقر بما كان عليه ، وشكر الحال الذي حال إليه ، دامت نعمته وكثر خيره . فالشكر قيد الموجود وصيد المفقود . فيقال لأهل النعم ، إن قاموا بشكرها : كُلوا من طيبات ما رزقناكم ، ولا تطغوا فيه ، بأن تصرفوه في غير محله ، أو تمنعوه عن مستحقه ، { فيحلَّ عليكم غضبي … } الآية . وقوله تعالى : { وإِني لغفار لمن تاب … } الخ ، قال القشيري : { وإني لغفار لمن تاب } من الزَّلَّة { وآمن } فلم يَرَ أعماله من نَفْسه ، بل جميع الحوادث من الحقِّ ، { وعمل صالحًا } فلم يُخِلّ بالفرائض ، { ثم اهتدى } للسُّنَّةِ والجماعة ، وقال أيضًا : ثم اهتدى بنا إلينا . هـ . قال الورتجبي : التائب : المنقطعُ إلى الله ، والمؤمن : العارف بالله ، والعمل الصالح : تركه ما دون الله ، فإذا كان كذلك ، فاهتدى بالله إلى الله ، ويكون مغمورًا برحمة الله ، ومعصومًا بعصمة الله . هـ . ثمَّ ذكر فتنة بني إسرائيل بالعجل