Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 101-103)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { إِن الذين سبقت لهم منا الحسنى } أي : الخصلة الحسنى ، أو المشيئة الحسنى ، وهي السعادة ، أو التوفيق للطاعة ، أو البُشرى بالثواب ، { أولئك عنها } : عن جهنم { مبعدون } لأنهم في الجنة ، وشتان ما بينهما . قال القشيري : لم يقل متباعدون ليَعْلَم العابدون أن المدارَ على التقدير وسبق الحكم من الله ، لا على تَبَاعد العبد وتَقَرُّبه . هـ . وكأنه يشير لقوله : " هؤلاء إلى الجنَّةِ ولا أُبالي " ، أي : بأعمالهم . { لا يسمعون حَسِيسَهَا } أي : صوتها الذي يحس ، وحركة تلهبها ، وهذه مبالغة في الإبعاد ، أي : لا يقربوها حتى لا يسمعوا صوتها أو صوت من فيها . قال الكواشي : لا يسمعون صوت النار وحركة تلهبها إذا نزلوا منازلهم من الجنة . هـ . وقال ابن عطية : وذلك بعد دخولهم الجنة لأن الحديث يقتضي أن في الموقف تزفر جهنم زفرة لا يبقى نبي ولا ملك إلا خرَّ على ركبتيه . هـ . قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي : محمل الحديث ، إن صح في حق الأنبياء والأكابر ، على شهود الجلال والإجلال لله تعالى ، ولذلك يقولون : " نفسي نفسي " ، لا من خوف النار . هـ . قلت : أما كون الناس يُصعقون يوم القيامة ، فيكون المصطفى أول من يفيق ، فثابت في الصحيح ، أما سبب الصعقة فقد ورد في غير البخاري : " أنه يُؤتى بجهنم ، ولها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ، ثم تزفر زفرة ، فلا يبقى نبي ولا ملك إلا خرّ " … الحديث ، ويؤيده قوله تعالى : { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } [ الفَجر : 23 ] والأنبياء - عليهم السلام - بَشَر عبيد ، قد تعمهم القهرية ، ولا تقدح في منصبهم ، وليس صعقهم خوفًا ، لكن غلبة ودهشًا ، كما صعق موسى - عليه السلام - عند الرؤية ، ونبينا - عليه الصلاة والسلام - حين تجلى له جبريل على صورته . والله أعلم . وقال جعفر الصادق : وكيف يسمعون حسيسها ، والنار تخمد بمطالعتهم ، وتتلاشى برؤيتهم ؟ ثم ذكر حديث قول النار للمؤمن : جُز … الخ . ويدل على أن هذه الحالة إنما هي بعد دخولهم الجنة ، قوله تعالى : { وهم فيما اشتهت أَنفُسُهُم } من النعيم { خالدون } : دائمون ، والشهوة : طلب النفس للذة . وهو بيان لفوزهم بالمطالب ، إثر بيان خلاصهم من المهالك والمعاطب ، أي : دائمون في غاية التنعم ، { لا يحزنهم الفزعُ الأكبر } ، وهو القيام من القبور عند صيحة البعث ، بدليل قوله : { وتتلقاهم الملائكةُ } . قال ابن عباس : " تتلقاهم الملائكة بالرحمة ، عند خروجهم من القبور " ، قائلين : { هذا يومُكم الذي كنتم تُوعدون } بالكرامة والثواب ، والنعيم المقيم فيه ، أي : بعد دخولكم الجنة . وقال الحسن : الفزع الأكبر : الانصراف إلى النار . وعن الضحاك : حين يُطبق على أهل النار . وقيل : حين نفخة الصعق ، وقيل : حين يُذبح الموت . قلت : من سبقت له الحسنى ينجو من جميعها . وقيل : تتلقاهم الملائكة على أبواب الجنة ، مُهنئين لهم قائلين : { هذا يومكم الذي كنتم توعدون } في الدنيا ، ويُبشرون بما فيه من فنون المثوبات على الإيمان والطاعات . وهذا ، كما ترى ، صريح في أن المراد بالذين سبقت لهم الحسنى : كافةُ المؤمنين الموصوفين بالإيمان والأعمال الصالحة ، لا من ذكر من المسيح ، وعُزير ، والملائكة ، كما قيل . قاله أبو السعود ، قلت : وقد يجاب بأنها نزلت في شأنهم وتعم غيرهم لأن سبب النزول لا يخصص . والله تعالى أعلم . الإشارة : قال الجنيد رضي الله عنه : { إن الذين سبقت لهم منّا الحسنى } أي : سبقت لهم منا العناية في البداية ، فظهرت لهم الولاية في النهاية . هـ . { أولئك عنها } أي : عن نار القطيعة ، وهي أغيار الدنيا ، مُبعدون ، لا يسمعون حسيسها ، ولا ما يقع فيها من الهرج والفتن ، لغيبتهم عنها بالكلية في الشغل بالله تعالى ، فهم فيما اشتهت أنفسهم من لذة الشهود ، والقُرب من الملك الودود ، خالدون دائمون ، لا يحزنهم الفزع الأكبر في الدنيا والآخرة ، وتتلقاهم الملائكة بالبُشرى بالوصول ، هذا يومكم الذي كنتم توعدون ، وهو يوم ملاقاة الحبيب والعكوف في حضرة القريب ، عند مليك مقتدر . منحنا الله من ذلك الحظ الأوفر بمنّه وكرمه . ثمَّ ذكر أوصاف ذلك اليوم