Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 104-104)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { يوم } : ظرف لاذكر ، أو لقوله : { لا يحزنهم الفزع } ، أو لتتلقاهم . والسجل : الصحيفة ، والكتاب : مصدر ، و { كما بدأنا } : منصوب بمضمر ، يُفسره ما بعده ، و { ما } : موصولة . يقول الحقّ جلّ جلاله : واذكر { يوم نَطْوِي السماءَ } وذلك يوم الحشر والناس في الموقف ، فتجمع وتُكوّر وتُطوى { كطَيِّ السِّجِلِّ } الصحيفة { للكتاب } أي : لأجل الكتابة فيها لأن الكاتب يطوي الصحيفة على اثنين ليكتب فيها . فاللام للتعليل ، أو بمعنى " على " ، أي : كطي الصحيفة على الكتابة التي فيها ، لتُصان ، وقرأ أبو جعفر : " تُطوى " بالبناء للمفعول . وذلك بمحو رسومها وتكوير نجومها وشمسها وقمرها . وأصل الطي : الدرج ، الذي هو ضد النشر . وقرأ الأخوان وحفص : { للكُتُبِ } بالجمع ، أي : للمكتوبات ، أي : كطي الصحيفة لأجل المعاني الكثيرة التي تكتب فيها ، أو كطيها عليها لتُصان . فالكتاب أصله مصدر ، كالبناء ، ثم يوقع على المكتوب . وقيل : السجل : ملك يطوي كتب ابن آدم ، إذا رفعت إليه ، فالكتاب ، على هذا ، اسم للصحيفة المكتوب فيها ، والطي مضاف إلى الفاعل ، وعلى الأول : إلى المفعول . { كما بدأنا أول خَلقٍ نُعيده } أي : نعيد ما خلقنا حين نبعثهم ، كما بدأناهم أول مرة ، فالتنوين في { خَلقٍ } مثله في قولك : أول رجلٍ جاءني ، تريد أول الرجال والتقدير : كما بدأنا أول الخلائق ، نعيدهم حفاةً عراة غُرلاً . قال صلى الله عليه وسلم : " إنَّكُمْ تَحْشَرُونَ يَوْمَ القيَامَة حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً . وأول مَنْ يُكْسَى إبْرَاهِيمُ خليلُ الله " ، أي : لأنه جرد في ذات الله ، فقالت عائشة - رضي الله عنها - : واسوءتاه ! فلا يحتشم الناس بعضهم من بعض ؟ فقال : " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يُغنيه " ثم قرأ - عليه الصلاة والسلام - : { كما بدأنا أول خلق نعيده } . كما بدأناه من الماء نعيده كيوم ولدته أمه . قلت : قد استدل بعضهم ، بظاهر الآية والحديث ، أن أهل الجنة ليس لهم أسنان ، ولا دليل فيه لأن المقصود من الآية : الاستدلال على كمال قدرته تعالى ، وعلى البعث الذي تُنكره الكفرة ، لا بيان الهيئة ، وعدمُ وجودها نقصان ، ولا نقص في الجنة . ثم أكد الإعادة بقوله : { وعدًا علينا } أي : نُعيده وعدًا ، فهو مصدر مؤكد لغير فعله بل لِمَا في " { نعيده } من معنى العِدة ، أي : وعدنا ذلك وعدًا واجبًا علينا إنجازه لأنا لا نُخلف الميعاد ، { إِنا كنا فاعلين } لما ذكرنا لا محالة ، فاستعدوا له ، وقدِّموا صالح الأعمال للخلاص من هذه الأهوال . وبالله التوفيق . الإشارة : إذا أشرقت على القلب شموسُ العرفان ، انطوت عن مشهده وجودُ الأكوان ، وأفضى إلى فضاء العيان ، فلا سماء تظله ولا أرض تحمله ، وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه :