Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 105-106)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولقد كتبنا في الزَّبور } كتاب داود عليه السلام ، { من بعْدِ الذِّكْرِ } : التوراة ، أو اللوح المحفوظ ، { أنَّ الأرض } أي : جنس الأرض ، يعني : مشارقها ومغاربها ، { يرثُها عبادي الصالحون } وهم أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ففي الآية ثناء عليهم وبشارة لهم ، وإخبار بظهور غيب تحقق ظهوره في الوجود مِن فَتْح الله على هذه الأمة مشارقَ الأرض ومغاربها ، كقوله : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } [ النُّور : 55 ] . وقال القشيري : على قوله : { عبادي الصالحون } : هم أمة محمد - عليه الصلاة والسلام - وهم بجملتهم قوم صالحون لنعمته ، وهم المطيعون ، وآخرون صالحون لرحمته وهم العاصون . هـ . قال في الحاشية الفاسية : والظاهر أن حديث : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله " ، مفسر للآية ، وموافق لوعدها . قيل : وهذه الطائفة مُفْتَرَقَةً من أنواع المؤمنين ، ممن فيه عائدة على الدين ونفع له من شجعان مقاتلين ، وفقهاء ومحدِّثين ، وزهاد وصالحين ، وناهين وآمرين بالمعروف . هـ . قلت : وعارفين متمكنين ، علماء بالله ربانيين . ثم قال : وغير ذلك من أنواع أهل الحسنى ، ولا يلزم اجتماعهم ، بل يكونون متفرقين في أقطار . هـ . قلت " : وفيه نظر لأن مراد الآية الأمة كلها ، كما قال القشيري ، ومراد الحديث بعضها ، فلا يليق أن يكون تفسيرًا لها ، وهي أعم منه . وقيل : المراد بالأرض : أرض الشام ، وقيل : أرض الجنة . ثم قال تعالى : { إِنَّ في هذا } أي : ما ذكر في السورة الكريمة من الأخبار والمواعظ البالغة ، والوعد والوعيد ، والبراهين القاطعة الدالة على التوحيد وصحة النبوة ، { لبلاغًا } أي : كفاية ، أو سبب بلوغ إلى البغية ، من رضوان الله تعالى ، ومحبته ، وجزيل ثوابه ، فمن تبع القرآن وعمل به ، وصل إلى ما يرجو من الثواب العظيم ، فالقرآن زادُ الجنة كبلاغ المسافر ، فهو بلاغ وزاد { لقومٍ عابدين } أي : لقومٍ همتُهُم العبادة دون العادة . وبالله التوفيق . الإشارة : قد أورث الله أرضه وبلاده لأهل التوجه إلى الله ، والإقبال عليه . فوراثة كل أحد على قدر توجهه وإقباله على مولاه . والمراد بالوراثة : التصرف بالهمة ونفوذ الكلمة في صلاحَ الدين وهداية المخلوقين ، وهم على قسمين : قسم يتصرف في ظواهر الخلق بإصلاح ظواهرهم ، وهم العلماء الأتقياء ، فهم يُبلغون الشرائع والأحكام ، لإصلاح نظام الإسلام ، وقد تقدم تفصيلهم في سورة التوبة عند قوله تعالى : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ … } [ التّوبَة : 122 ] الخ ، وقسم يتصرفون في بواطنهم وهم أهل التصرف العارفون بالله ، على اختلاف مراتبهم من غوث وأقطاب وأوتاد ، وأبدال ، ونجباء ، ونقباء ، وصالحين ، وشيوخ مربين ، فهم يُعالجون بواطن الناس بالتربية بالهمة والحال والمقال ، حتى يتطهر مَنْ يصحبهم من الرذائل ، ويتحلى بأنواع الفضائل ، فيتأهل لحضرة القدس ومحل الأنس . وهؤلاء حازوا الوراثة النبوية كلها ، كما قال ابن البنا في مباحثه : @ تَبِعَهُ العَالِم في الأقوال والعابد الزاهد في الأفعال وبهما الصوفي في السباق لكنه قد زاد بالأخلاق @@ ثمَّ ختم ذكر الانبياء عليهم السلام بذكر سيد الوجود …