Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 11-15)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { كم } : خبرية مفيدة للتكثير ، ومحلها نصب ، مفعول بقصمنا ، و { من قرية } : تمييز ، و { كانت … } الخ : صفة لقرية . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وكم قَصَمْنَا من قرية } أي : كثيرًا أهلكنا من أهل قرية { كانت ظالمةً } بآيات الله تعالى ، كافرين بها . وفي لفظ القصم - الذي هو عبارة عن الكسر بإبانة أجزاء المكسور وإزالتها بالكلية - من الدلالة على قوة الغضب والسخط ما لا يخفى . { وأنشأنا } أي : أحدثنا { بعدها } أي : بعد إهلاكها { قومًا آخرين } ليسوا منهم نسبًا ولا دينًا ، ففيه تنبيه على استئصالهم وقطع دابرهم بالكلية . { فلما أحسُّوا بأسنا } أي : أدركوا عذابنا الشديد إدراك المشاهدَ المحسوس { إِذا هم منها } أي : من القرية { يركُضُون } : يهربون مدبرين راكضين دوابهم . فقيل لهم ، بلسان الحال أو المقال من الملَك ، أو ممن حضرهم من المؤمنين ، بطريق الاستهزاء والتوبيخ : { لا تركُضُوا وارجعوا إِلى ما أُتْرفْتُم فيه } من النعم والتلذذ { و } إلى { مساكِنِكُم } التي كنتم تفتخرون بها ، { لعلكم تُسألون } تقصدون للسؤال ، إذ كانوا أغنياء ، أو للتشاور والتدبر في المهمات والنوازل ، أو تُسألون الفداء فَتُفتدَوْا من العذاب ، أو تُسألون عن قتل نبيكم وفيم قتلتموه . قيل : نزلت في أهل حاضُورا قرية باليمن ، وكان أهلها العرب ، فبعث الله إليهم نبيًا فكذبوه وقتلوه ، فسلط الله تعالى عليهم بُخْتنصَّرْ ، فقتلهم وسباهم ، فلما انهزموا وهربوا قالت لهم الملائكة : لا تركضوا ، وارجعوا إلى مساكنكم وأموالكم استهزاءً بهم ، وأتبعهم بُختنصر ، فأخذتهم السيوف ، ونادى مناد من السماء : يا لَثَارات الأنبياء ، فلما رأوا ذلك أقروا بالذنوب حين لم ينفعهم ، فقالوا : { يا ويلنا } يا هَلاَكنا { إِنّا كنا ظالمين } مستوجبين العذاب . وهذا اعتراف منهم وندَم حين لم ينفعهم ذلك . { فما زالتْ تلك دعواهم } أي : فما زالوا يُرددون تلك الكلمة ، ويدعون بها ، ويقولون : يا ويلنا ، { حتى جعلناهم حصيدًا } أي : مثل الحصيد ، وهو المحصود من الزرع والنبات ، فهو فعيل بمعنى مفعول ، فلذلك لم يجمع ، كجريح وقتيل . وجعلناهم { خامدين } ميتين ، من خمدت النار إذا طفئت . وهو ، مع " حصيدًا " ، في حيز المفعول الثاني لجعل ، كقولك : جعلته حلوًا حامضًا ، والمعنى : جعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد والخمود ، أو حال من الضمير المنصوب في " جعلناهم " ، ولفظ الآية يقتضي العموم . والله تعالى أعلم . الإشارة : وكم من قرية من قرى القلوب قصمنا أهلها ، أي : ما فيها من الشكوك والأوهام ، كانت ظالمة بتلك الخواطر ، فأخرجناهم منها ، وأنشأنا بعدها أنوارًا وأسرارًا وعلومًا آخرين . فلما حسوا بأسنا بورود الواردات الإلهية عليها ، التي تأتي من حضرة القهار ، إذا هم منها يركضون لأن الواردات الإلهية تأتي من حضرة القهار ، لأجل ذلك لا تصادم شيئًا من الظلمات إلا دمغته ، فيقال لتلك الظلمات ، التي هي الشكوك والأوهام : لا تركضوا ، ولكن ارجعوا أنوارًا ، وانقلبوا وارداتٍ وأسرارًا ، وتنعموا في محلكم بشهود الحق ، لعلكم تُسألون ، أي : تُسْتَفْتَوْنَ في الأمور ، لأن القلب إذا صفا من الأكدار استفتى في العلوم ، وفي الأمور التي تعرض ، قالوا بلسان الحال - أي تلك الظلمات - : يا ويلنا إنا كنا ظالمين بحجب صاحبنا عن الله ، فما زالت تلك دعواهم حتى صاروا خامدين ، هامدين ، ساكنين تحت مجاري الأقدار ، مطمئنين بالله الواحد القهار ، وهذه إشارة دقيقة ، لا يفهمها إلا دقيق الفهم غزير العلم . وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر أن إهلاك تلك القرى الظالمة كان لحكمة بليغة …