Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 16-18)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { لاعبين } : حال من فاعل خلق ، و " إن كنا " : شرط حُذف جوابه ، أي : إن كنا فاعلين اتخذناه من لّدُنا ، وقيل : نافية . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وما خلقنا السماءَ والأرضَ وما بينهما } من المخلوقات التي لا تُحصى أجناسها ، ولا تُعد أفرادها ، ولا تُحصر أنواعها وآحادها ، على هذا النمط البديع والأسلوب الغريب ، { لاعبين } خالية عن الحِكم والمصالح ، بل لحِكَم بديعة ومصالح عديدة ، دينية تَقْضي بسعادة الأبد أو بشقاوته ، ودنيوية لا تُعد ولا تُحصى ، وهذا كقوله : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً } [ ص : 27 ] ، فالمراد من الآية : إشارة إجمالية إلى أن تكوين العالم ، وإبداع بني آدم ، مؤسس على قواعد الحِكَم البالغة ، المستتبعة للغايات الجليلة ، وتنبيه على أن ما حكي من العذاب الهائل ، والعقاب النازل بأهل القُرى ، من مقتضيات تلك الحِكم ، ومتفرع عليها حسبما اقتضته أعمالهم . وإنما فعل ذلك عدلاً منه ، ومجازاة على أعمالهم ، وأن المخاطبين المتقدمين - وهم قريش - على آثارهم لأن لهم ذنوبًا مثل ذنوبهم . وإنما عبَّر عن نفي الحكمة باللعب ، حيث قال : { لاعبين } لبيان كمال تنزهه تعالى عن الخلق الخاليِ عن الحكمة ، بتصويره بصورة ما لا يرتاب أحد في استحالة صدوره منه سبحانه ، وهو اللهو واللعب ، بل إنما خلقناهما ، وما بينهما لتكون مبدأ الوجود الإنساني وسببًا لمعاشه ، ودليلاً يقوده إلى تحصيل معرفتنا ، التي هي الغاية القصوى والسعادة العظمى . ثم قرر انتفاء اللعب واللهو عنه ، فقال : { لو أردنا أن نتخذ لهوًا } أي : ما يلهى به ويلعَب ، { لاتَّخذناه من لدُنَّا } أي : من أنفسنا لعلمنا بحقائق الأشياء ، واستغنائنا عن جلب المصالح ودرء المفاسد . والمعنى : لو أردنا أن نخلق شيئًا ، لا لتحصيل مصلحة لكم ، ولا لدرء مفسدة عنكم ، لفعلنا ذلك في أنفسنا بأن نخلق عوالم ومظاهر عارية عن الحكمة والمصلحة لأنا أحق منكم بالاستغناء عما يجلب المصلحة ويدرأ المفسدة ، لكن من عادتنا ربط الأسباب بمسبباتها ، وأنا لم نخلق شيئًا عبثًا ، بل خلقنا كل نوع من النبات والحيوانات والجمادات لمصلحة ومنفعة ، عَلِمها ، من عَلِمها وجَهِلَها من جَهِلَها ، فحصل من هذا نفي التحسين والتقبيح عقلاً ، بهذه الشرطية ، وإثباته سمعًا . أو : { لاتخذناه من لدُنَّا } مما يليق بشأننا من المجردات ، لا من الأجسام المرفوعة والأجرام الموضوعة ، كعادة الجبابرة مِنْ رفع العروش وتحسينها ، وتمهيد الفرش وتزيينها ، لأغراض عِراض ، لكن يستحيل إرادتنا لذلك لمنافاته للحكمة الإلهية المنزهة عن الأغراض . هـ . من أبي السعود ، وأصله للزمخشري . وفيه تكلف . وسأل طاوسُ ومجاهدُ الحسنَ عن هذه الآية ؟ فقال : اللهو : المرأة . وقال ابن عباس : " الولد " . ومعنى { لاتخذناه من لدُنَّا } : بحيث لا يطلعون عليه ، وما اتخذنا نساءًا وولدًا من أهل الأرض . نزلت في الذين قالوا : اتخذ الله ولدًا . وتكون الآية ، حينئذ تتميمًا لِما قبلها ، أي : ليس اللعب واللهو من شأننا ، إذ لو أردنا أن نتخذ لهوًا لاتخذناه من لدنا . قال شيخ شيوخنا ، سيدي عبد الرحمن الفاسي : حمل الآية على الزوجة غير مفيد ، إلا أن يراد بذلك مجرد الرحمة والشفقة ، مما يمكن عقلاً ، فيصح دخول النفي الشرعي عليه . انظر ابن عرفة ، فقد جوّز ، عقلاً ، اتخاذه على معنى الرحمة . وكذا ابن عطية في آية الزمر . ومنع ذلك القشيري . قلت : وكأنه لِما يشير إليه قوله تعالى : { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } [ الزُّمَر : 4 ] ، فإن القهر لا يناسب التبني بوجه ، وقد يقال : إنه مانع سمعي شرعي ، لا عقلي ، فلا يخالف ما قاله ابن عرفة ولا ابن عطية . وفيه نظر لأنه يُؤدي إلى تعطيل اسمه القهار ونحوه ، وهو محال ، والله أعلم . هـ . قلت : قد حمل النسفي الآية على الولد ، فقال : { لو أردنا أن نتخذ لهوًا } أي : ولدًا ، أو امرأة ، رد على من قال عيسى ابنه ، ومريم صاحبته ، { لاتخذناه من لدُنَّا } من الولدان أو الحور ، { إِن كنا فاعلين } أي : إن كنا ممن يفعل ذلك ، ولسنا ممن يفعله لاستحالته في حقنا . هـ . قلت : والذي تكلف الحمل الأول رأى أن حمله على الولد يقتضي جواز الاتخاذ عقلاً وإنما منعه عدم الإرادة . وأجاب ابن عرفة : بأن يحمل الاتخاذ على معنى الرحمة ، لا على حقيقة البنوة . قلت : من خاض بحار التوحيد الخاص وحاز مقام الجمع ، لا يتوقف في مثل هذا إذ تجليات الحق لا تنحصر ، لكن لم يوجد منها ، ولم تتعلق إرادته إلا بما هو كمال في حقه تعالى في باب القدرة ، وأما باب الحكمة ، فهي رداء لمحل النقائص ، فافهم ، وأصحب أهلَ الجمع حتى يفهموك ما ذكرتُ لك ، والسلام . ثم قال تعالى : { بل نقذفُ بالحق على الباطل } أي : نرمي بالحق ، الذي هو الجد ، على الباطل ، الذي من جملته اللهو ، وهو إضراب عن اتخاذ الولد ، بل عن إرادته ، كأنه قيل : لكنا لا نريده ، بل شأننا أن نقذف بالحق على الباطل { فيدْمَغُه } : فيمحقه بالكلية ، كما فعلنا بأهل القُرى المحكية وأمثالهم ، وقد استعير ، لإيراد الحق على الباطل ، القذف ، الذي هو الرمي الشديد ، وللباطل الدمغ ، الذي هو تشتيت الدماغ وتزهيق الروح ، فكأنَّ الباطل حيوان له دماغ ، فإذا تشتت دماغه مات واضمحل ، { فإِذا هو زاهق } أي : فإذا الباطل ذاهب بالكلية ، متلاش عن أصله . وفي { إذا } الفجائية والجملة الاسمية من الدلالة على كمال السُرعة في الذهاب والبطلان ما لا يخفى . ثم ردَّ على أهل الباطل فقال : { ولكم الويلُ مما تصفون } أي : وقد استقر لكم الويل والهلاك من أجل ما تصفونه ، سبحانه ، بما لا يليق بشأنه الجليل ، من الولد والزوجة ، وغير ذلك مما هو باطل . وهو وعيد لقريش ومن دان دينهم ، بأنَّ لهم أيضًا مثل ما لأولئك القرى المتقدمة من الهلاك ، إن لم ينزجروا . والله تعالى أعلم . الإشارة : ما نصبت لك الكائنات لتراها كائنات ، بل لتراها أنوارًا وتجليات ، الأكوان ثابتة بإثباته ، ممحوة بأحدية ذاته ، فالغير والسِّوى عند أهل الحق باطل ، والباطل لا يثبت مع الحق . قال تعالى : { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق } . قال القشيري : نُدْخِلُ نهارَ التحقيق على ليالي الأوهام ، أي : فتمحى ، وتبقى شمس الأحدية ساطعة . هـ . وبالله التوفيق . ثمَّ قرر وحدانيته تعالى في ملكه وملكوته