Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 73-73)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { وجعلناهم } أي : إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، { أئمةً } يُقتدى بهم في أمور الدين إجابة لدعوته بقوله : { وَمِن ذُرِّيَّتِي } [ البَقَرَة : 124 ] أي : فاجعل أئمة ، { يَهدُون } الخلق إلى الحق ، { بأمرِنَا } لهم بذلك ، وإرسالنا إياهم حتى صاروا مكملين ، أو يهدون الخلق بإرادتنا ومشيئتنا . { وأوحينا إِليهم فعلَ الخيرات } وهي جميع الأعمال الصالحة ، أي : أمرناهم أن يفعلوا جميع الخيرات ، ليتم كمالهم بانضمام العمل الصالح إلى العلم ، وأصله : أن يفعلوا الخيرات ، ثم فعلَ الخيرات ، { وإِقامَ الصلاةِ وإِيتاءَ الزكاة } ، وهو من عطف الخاص على العام دلالة على فضله وشرفه ، وأصله : وإقامة الصلاة ، فحذفت التاء المعوضة من إحدى الألفين لقيام المضاف إليه مقامها . { وكانوا لنا عابدين } : قانتين مُطيعين ، لا يخطر ببالهم غير عبادتنا ومشاهدتنا . وأنتم يا معشر العرب والعجم من ذريتهم ، فاتبعوهم في ذلك . وبالله التوفيق . الإشارة : إنما يعظم جاه العبد عند الله بثلاثة أمور : انحياشه بقلبه إلى الله ، ومسارعته إلى ما فيه رضا الله ، وإرشاد العباد إلى الله ، بدعائهم إلى الله بالحال والمقال ، فبقدر ما يقع من هداية الخلق على يديه يعلو مقامه عند الله ، إن حصلت المعرفة بالله ، وبهذا تعرف شرف مرتبة مشيخة الصوفية ، الدالين على الله ، الداعين إلى حضرة الله ، إن تكلموا وقع كلامهم في قلوب الخلق ، فيرجعون إلى الله من ساعتهم ، مجالسهم كلها وعظ وتذكير ، حالهم يُنهض إلى الله ، ومقالهم يدل على الله ، ففي ساعة واحدة يتوب على يديهم من الخلق ما لا يتوب على يد العالم في سنين وذلك لإنهاض الحال والمقال ، فلا جَرَمَ أنهم أعز الخلق إلى الله ، وأعظمهم قدرًا عند الله . قال السهروردي في العوارف : ورد في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " والذي نفس محمد بيده لئن شئتم لأقسمن لكم ، إن أحب عباد الله إلى الله يُحَبِّبُونَ الله إلى عباده ، ويُحبِّبُون عباد الله إلى الله ، ويمشون في الأرض بالنصيحة " وهذا الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رتبة المشيخة والدعوة فإن الشيخ يُحبب الله إلى عباده حقيقة ، ويحبب عباد الله إلى الله . فأما كونه يُحبب عباد الله إلى الله لأن الشيخ يسلك بالمريد طريق الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأخلاقه . ومن صح اقتداؤه واتباعه أحبه الله ، قال تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [ آل عِمرَان : 31 ] ، ووجه كونه يُحبب الله إلى عباده لأنه يسلك بالمريد طريق التزكية ، وإذا تزكت النفس انجلت مرآة القلب ، ودخل فيها نور العظمة الإلهية ، ولاح فيها جمال التوحيد ، وذلك ميراث التزكية ، قال الله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } [ الشّمس : 9 ] ، وفلاحها : الظفر بمعرفة الله ، فإذا عرفه ، قطعًا ، أحبه وفنى فيه . فرتبة المشيخة من أعلى الرتب لأنها خلافة النبوة في الدعوة إلى الله . ثم قال : فعلى المشايخ وقار لله ، وبهم يتأدب المريد ظاهرًا وباطنًا ، قال الله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [ الأنعَام : 90 ] ، فالمشايخ ، لَمَّا اهتَدْوا ، أُهِّلُوا للاقتداء بهم ، وجُعِلوا أئمة للمتقين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حاكيًا عن الله عزّ وجلّ : " إذا كان الغالبُ على عبدي الاشتغال بي ، جعلت همته ولذَّتهُ في ذكري ، فإذا جعلت همته ولذته في ذكري ، أحبني وأحببته ، ورفعتُ الحجابُ فيما بيني وبينه ، لا يسهو إذا سَهَا الناسُ ، أولئك كلامُهُم كلام الأنبياءِ ، أولئك الأبطالُ حقًا ، أولئك الذين إذا أردتُ بأهلِ الأرضِ عقوبةً أو عذابًا ، ذكرتُهم فصرفتُه بهم عنهم " انتهى كلامه رضي الله عنه . ومن كلام ذي النون المصري - لمّا تكلم على الأبدال - قال : فهممهم إليه ثائرة ، وأعينهم إليه بالغيب ناظرة ، قد أقامهم على باب النظر من رؤيته ، وأجلسهم على كراسي أطباء أهل معرفته ، ثم قال لهم : إن أتاكم عليل من فقدي فداووه ، أو مريض من فراقي فعالجوه ، أو خائف مني فانصروه ، أو آمن مني فحذّروه ، أو راغب في مواصلتي فمنوه ، أو راحل نحوي فزودوه ، أو جبان في متاجرتي فشجعوه ، أو آيس من فضلي فرجُّوه ، أو راجٍ لإحساني فبشروه ، أو حسن الظن بي فباسطوه ، أو مُعظَّم لقدري فعظموه ، أو مسيء بعد إحساني فعاتبوه ، أو مسترشد فأرشدوه . هـ . وهذه صفة مشايخ التربية على ما شهدناهم ، وما شهدنا إلا بما علمنا . وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر نبيه لوطاً ونوحاً عليهما السلام