Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 92-94)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { أمة } : حال من { أمتكم } أي : متحدة أو متفقة ، والعامل فيه ومعنى الإشارة ، والإشارة إلى طريق الأنبياء المذكورين قبلُ . يقول الحقّ جلّ جلاله : { إِنّ هذه } الطريق والسيرة التي سلكها الأنبياء المذكورون ، واتفقوا عليها ، وهو التوحيد ، هي { أُمتكم } أي : ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها ، ولا تخرجوا عنها ، حال كونها { أمةً واحدةً } ، غير مختلفة فيما بين الأنبياء - عليهم السلام - وإن اختلفت شرائعهم . وفي الحديث : " الأنْبِيَاءُ أبناء عَلاَّتٍ ، أُمهَاتُهمْ شتَّى ، وأبوهم واحد " والعلات : الضرائر ، أي : شرائعهم مختلفة ، وأبوهم واحد ، وهو التوحيد . قال القشيري : { وأنا ربكم فاعبدون } أي : ربيتكم اختيارًا ، فاعبدوني شكرًا وافتخارًا . هـ . والخطاب للناس كافة . { وتقطعوا أمرهم } ، أصل الكلام : وتقطعتم في أمر دينكم وتفرقتم . إلاَّ أن الكلام صرف إلى الغيبة ، على طريقة الالتفات ليَنْعي عليهم ما أفسدوه في الدين ، والمعنى : فجعلوا أمر دينهم فيما { بينهم } قِطَعًا ، وصاروا أحزابًا متفرقة ، كأنه يُنْهِي إلى أهل التوحيد قبائح أفعالهم ، ويقول : ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله ، الذي أجمعت عليه كافة الأديان ؟ ثم توعدهم بقوله : { كُلٌّ إِلينا راجعون } أي : كل واحد ، من الفرق المتقطعة ، راجع إلينا بالبعث ، فنجازيهم حينئذ بحسب أعمالهم . ثم فصَّل الجزاء فقال : { فمن يعملْ } شيئًا { من الصالحات وهو مؤمنٌ } بالله ورسله وبما يجب الإيمان به . قال القشيري : وهو مؤمن ، أي : في المآل بأن يختم له به ، وكأنه يشير إلى الخاتمة لأن من لم يختم له بالإيمان لا ثواب لأعماله ، والعياذ بالله ، { فلا كُفْرَانَ لسَعْيِهِ } أي : لا حرمان لثواب عمله ، بل سعيُه مشكور مقبول ، فالكفران مَثلٌ في حرمان الثواب ، كما أن الشكر مثلٌ في إعطائه ، وعبّر عن ذلك بالكفران ، الذي هو ستر النعمة وجحدها لبيان كمال تنزهه تعالى عنه . وعبّر عن العمل بالسعي لإظهار الاعتداد به ، { وإِنّا له } أي : لسعيه { كاتبون } مُثبتون في صحائف أعمالهم ، نأمر الحفظة بذلك ، لا نغادر من ذلك شيئًا . والله تعالى أعلم . الإشارة : الصوفية - رضي الله عنهم - ، في حال سيرهم إلى الحضرة وسلوكهم في طريق التربية ، مختلفون بحسب الأزمنة والأمكنة والأشخاص . وفي حال نهايتهم - وهو الوصول إلى حضرة الشهود والعيان ، وإشراق شمس العرفان ، الذي هو مقام الإحسان ، ويُعبِّرون عنه بالفناء والبقاء ، وهو التوحيد الخاص - متفقون ، وفي ذلك يقول القائل : @ عباراتنا شتى وحسْنُك واحد وكُلٌّ إلى ذاك الجَمَالِ يُشير @@ لأن ما كان ذوقًا ووجدًا لا يختلف ، بل يجده كل من له ذوق سليم . نعم تتفاوت أذواقهم على حسب مشاربهم ، ومشاربُهم على حسب إعطائهم نفوسَهم وبيعها لله ، وتتفاوت أيضًا بحسب التخلية والتفرغ ، وبحسب الجد والاجتهاد ، وكلهم على بصيرة من الله وبينة من ربهم : نفعنا الله بذكرهم ، وخرطنا في سلكهم ، آمين . ثمَّ تمم قوله كذلك إلينا راجعون فقال :