Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 15-16)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : لا تظنوا أن الله غير ناصر لرسوله صلى الله عليه وسلم بل هو ناصر له في الدنيا والآخرة لا محالة ، فمن كان { يظن أن لن ينصرهُ الله في الدنيا والآخرة } ، ويغيظه ذلك من أعاديه وحُساده ، ويفعل ما يدفع ذلك من الخدع والمكائد ، فليبالغ في استفراغ المجهود ، وليجاوز كل حد معهود ، فعاقبة أمره أن يختنق خنقًا من ضلال مساعيه ، وعدم إنتاج مقدماته ومبادئه . { فليمدد بسبب إِلى السماء } أي : فليمدُد حبلاً إلى سقف بيته ، { ثم ليقطع } أي : ليختنق ، من قَطعَ : إذا اختنق لأنه يقطع نفَسه بحبس مجاريه . أو : ليقطع من الأرض ، بعد ربط الحبل في العنق وربطه في السقف . { فلينظر هل يُذهِبَنَّ كيدُه } أي : فليصور في نفسه أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذي يغيظه بسبب فعله ، وسمى فعله كيدًا ، على سبيل الاستهزاء لأنه لم يكد به محسوده ، إنما كاد به نفسه . والمراد : ليس في يده إلا ما لَيْسَ بمُذهب لما يغيظه ، فَتَحَصَّل أن الضمير في { ينصره } يعود على النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يتقدم ذكره صراحة ، لكنه معهود إذ الوحي إنما ينزل عليه . وقيل : يعود على { مَن } ، والمعنى على هذا : من ظن - بسبب ضيق صدره ، وكثرة غمه - أن لن ينصره الله ، فليختنق وليمت بغيظه ، فإنه لا يقدر على غير ذلك ، فموجب الاختناق ، على هذا ، القنوطُ والسخط من القضاء ، وسوء الظن بالله تعالى ، حتى يئس من نصره . قال ابن جزي : وهذا القول أرجح من الأول لوجهين : أحدهما : أن هذا القول مناسب لمن يعبد الله على حرف لأنه ، إذا أصابته فتنة ، انقلب وقنط ، حتى ظنّ أن لن ينصره الله . ويؤيده من فسّر { أن لن ينصره الله } أي : لن يرزقه إذ لا خير في حياة تخلو من عون الله عزّ وجلّ ، فيكون الكلام ، على هذا ، متصلاً بما قبله . ويؤيده أيضًا : قوله تعالى ، قبله : { إن الله يفعل ما يريد } أي : الأمور بيد الله ، فلا ينبغي لأحد أن يسخط من قضاء الله ، ولا ينقلب إذا أصابته فتنة ، والوجه الثاني : أن الضمير في " ينصره " ، على هذا ، يعود على ما تقدّمه ذكر ، دون الأول . هـ . وانظر ابن عطية والكواشي ، ففيهما ما يدفع درك ابن جزي ، ورده للأول ، بما في سبب الآية ونزولها من المناسبة . ثم قال تعالى : { وكذلك أنزلناه آيات } أي : ومثل ذلك الإنزال البديع ، المنطوي على الحِكَم البالغة ، أنزلناه ، أي : القرآن الكريم كله ، حال كونه { آيات بيناتٍ } واضحات الدلالة على معانيها الرائقة ، { وأن الله يهدي } به { مَن يريد } هدايته ابتداء ، أو يثبته على الهُدى دوامًا ، ومحل " أن " : إما الجار ، أي : ولأن الله يهدي ، أو الرفع ، أي : والأمر أن الله يهدي من يريد . الإشارة : من غلبته نفسُه ، وملكته وأسرته في يدها فدواؤه : الفزع إلى الله ، والاضطرار إليه آناء الليل والنهار ، والمنهاج الواضح في علاجها وقهرها : هو الفزع إلى أولياء الله ، العارفين به ، الذين سلكوا طريق التربية على يد شيخ كامل ، فإذا ظفر بهم ، فليلزم صُحبتهم ، وليتبع طريقهم ، وليسارع إلى فعل كل ما يشيرون به إليه ، من غير تردد ولا توقف ، فهم معناه ، شرعًا ، أم لا ، فلا شك أن الله ينصره ويُؤيده ، ويظفر بنفسه في أسرع مدة . وليس الخبر كالعيان ، وجَرِّبْ … ففي التجريب علم الحقائق ، وكذلك من ابتلي بالوسواس وخواطر السوء في أمر التوحيد ، فليفزع إليه ، حتى يقلعوا من قلبه عروق الشكوك والأوهام ، وتذهب عنه الأمراض والأسقام ، بإشراق شمس العرفان على قلبه ، ويُفضي إلى طريق الذوق والوجدان ، وغير هذا عناء وتعب ، ولو فرض أنه يسكن عنه ذلك ، فلا يذهب عنه بالكلية ، فربما يهيج عليه في وقت الضعف ، عند الموت ، فلا يستطيع دفعه ، فيلقى الله بقلب سقيم . والعياذ بالله . فإن قلت : هذا الذي دللتني عليه عزيز غريب ، فقد دللتني على عَنقاء مغرب ؟ قلت : والله ، إن حسنت الظن بالله وبعباد الله ، واضطررت إليه اضطرار الظمآن إلى الماء ، لوجدته أقرب إليك من كل شيء . والله ، لقد وجدناهم وظفرنا بهم ، على مناهج الجنيد وأضرابه ، يُغنون بالنظر ، ويسيرون بالمريد حتى يقول له : ها أنت وربك . والمنة لله . فمن ترك ما قلنا له ، وآيس من الدواء ، وظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة ، فليمت غيظًا وقنطًا ، فلا يضر إلا نفسه لأن الله يهدي من يريد ، فيوفقه للدواء ، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئًا . وبالله التوفيق . ثم ذكر قال من آمن بالقرآن الذي هو آيات بينات