Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 18-18)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { ألم ترَ } ، أيها السامع ، أو من يتأتى منه الرؤية ، أي : رؤية علم واستبصار ، أو : يا محمد ، علمًا يقوم مقام العيان ، { أنَّ الله يسجد له } أي : ينقاد إليه انقيادًا تامًا { مَن في السماواتِ } من الملائكة ، { ومن في الأرض } من الإنس والجن والملائكة . ويحتمل أن تكون " من " عامة للعاقل وغيره ، فيدخل كل ما في السماوات من عجائب المصنوعات ، وكل ما في الأرض من أنواع المخلوقات . ويكون قوله : { والشمسُ والقمرُ والنجومُ والجبالُ والشجرُ والدوابُّ } ، من عطف الخاص على العام لاستبعاد ذلك منها عادة . ويُحتمل أن يكون السجود على حقيقته ، ولكن لا نفقه ذلك ، كما لا نفقه تسبيحهم . ونقل الكواشي عن أبي العالية : ما في السماء نجم ، ولا شمس ، ولا قمر ، إلا يقع ساجدًا حين تغيب ، ثم لا ينصرف حتى يُؤذن له . وذكر في صحيح البخاري : " أن الشمس لا تطلع حتى تسجد وتستأذن " وقال مجاهد : سجود الجبال والشجر والدواب : تَحَوُّلُ ظِلاَلِها . أو سجودُها : طاعتها فإنه ما من جماد إلا وهو مطيع لله تعالى ، خاشع ، يُسبح له . شَبَّه طاعتها له وانقيادها لأمره بسجود المكلف الذي كلٌّ خضوعٌ دونه . { وكثيرٌ من الناس } يسجد لله تعالى سجود طاعة وعبادة ، { وكثيرٌ حقَّ عليه العذابُ } حيث امتنع من هذا السجود ، الذي هو سجود عبادة لكفره وعتوه . قال ابن عرفة قوله : { وكثير } : يحتمل كونه مبتدأ ، ويكون في الآية حذف المقابل ، أي : وكثير من الناس مثاب ، وكثير حق عليه العذاب . فلا يرد سؤال الزمخشري . هـ . وقدَّره غيرُه : وكثير من الناس يسجدون ، وكثير يأبى السجود فحق عليه العذاب . وقيل : وكثير حق عليه العذاب بإنكاره النبوة ، وإن سجد للصانع كالفلاسفة واليهود والنصارى . هـ . { ومَن يُهِنِ اللهُ } بأن صرفته الشقاوة عن الانقياد لأمره الشرعي ، { فما له من مُكرمٍ } بالسعادة ، أو يوم القيامة ، بل يذل ويهان ، { إن الله يفعل ما يشاء } في ملكه يُكرم من يشاء بفضله ، ويُهين من يشاء بعدله ، لا معقب لحكمه . اللهم أكرمنا بطاعتك ومحبتك ، واجعلنا منقادين لأمرك وحكمك ، ونعّمنا بحلاوة شهودك ومعرفتك ، إنك على كل شيء قدير . هكذا يُدعى في هذه السجدة . وبالله التوفيق . الإشارة : قد تجلى الحق جلّ جلاله بأسرار ذاته لباطن الأشياء ، وبأنوار صفاته لظاهرها ، فتعرف لكل شيء بأسرار ذاته وأنوار صفاته ، فعرفه كلُّ شيء ، ولذلك سجد له وسبح بحمده . وفي الحِكَم : " أنت الذي تَعَرَّفْتَ لكل شيء ، فما جَهِلَكَ شيءٌ " . فظواهر الأواني ساجدة لأسرار المعاني ، وخاضعة للكبير المتعالي ، ولا يفقه هذا إلا من خاض بحر المعاني ، ولم يقف مع حس الأواني ، ولم يمتنع من الانقياد والخضوع لجلال الحق وكبريائه في الظاهر والباطن ، إلا من أهانه الله من عُصاة بني آدم . ومن يُهن الله فما له من مكرم ، إن الله يفعل ما يشاء . ثمَّ بين الفصل الذي يفصل به يوم القيامة بين المؤمنين والكفرة