Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 19-24)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { خصمان } : صفة لمحذوف ، أي : فريقان خصمان ، والمراد : فريق المؤمنين ، وفريق الكفرة بأقسامه الخمسة . وقيل : اسم يقع على الواحد والاثنين والجماعة ، والمراد هنا : الجماعة ، بدليل قوله : { اختصموا } بالجمع . يقول الحقّ جلّ جلاله : { هذان خصمان } أي : مختصمان { اختصموا } أي : فريق المؤمنين والكافرين . وقال ابن عباس رضي الله عنه : راجع إلى أهل الأديان المذكورة فالمؤمنون خَصْمٌ ، وسائرُ الخمسة خصمٌ ، تخاصموا { في ربهم } أي : في شأنه تعالى ، أو في دينه ، أو في ذاته وصفاته . والكل من شؤونه تعالى ، فكل فريق يصحح اعتقاده . ويُبطل اعتقاد خصمه . وقيل : تخاصمت اليهود والمؤمنون فقالت اليهودُ : نحن أحق بالله وأقدمُ منكم كتابًا ، ونبيُّنا قبل نبيِّكم . وقال المؤمنون : نحن أحقُّ بالله منكم ، آمنا بنبينا ونبيكم ، وبما أنزل الله من كتاب ، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ، ثم كفرتم به حسدًا . وكان أبو ذر يُقسِمُ أنها نزلَتْ في ستة نفر من قريش ، تبارَزوا يوم بَدر حمزةُ وعليٌّ ، وعبيدة بن الحارث ، مع عتبة ، وشيبة ابني ربيعةَ ، والوليدُ . وقال عليّ رضي الله عنه : إني لأوَّلُ من يجثو بين يدَيِ الله يوم القيامة للخُصومة . هـ . ثم بيَّن الفصل بينهم ، المذكور في قوله : { إن الله يفصل بينهم يوم القيامة } ، فقال : { فالذين كفروا } بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، { قُطِّعَت لهم ثيابٌ من نار } أي فصّلت وقُدرت على مقادير جثثهم ، تشتمل عليهم ، كما تقطع الثياب للبوس . وعبَّر بالماضي لتحقق وقوعه . { يُصَبُّ من فوق رؤوسهم الحميمُ } أي : الماء الحار . عن ابن عباس رضي الله عنه : " لو سقطت منه نقطة على جبال الدنيا لأذابتها " . { يُصهَرُ } : يُذاب { به } أي : بالحميم ، { ما في بطونهم } من الأمعاء والأحشاء ، { والجلودُ } تذاب أيضًا ، فيُؤثر في الظاهر والباطن ، كلما نضجت جلودهم بُدلت . وتقديم ما في الباطن للإيذان بأن تأثيرها في الباطن أقوى من تأثيرها في الظاهر ، مع أن ملابستها على العكس . { ولهم مقامعُ من حديدٍ } أي : ولتعذيب الكفرة ، أو لأجلهم ، مقامع : جمع مقمعة ، وهي آلة القمع ، أي : سيَاط من حديد ، يُضربون بها . { كُلما أرادوا أن يخرجوا منها } أي : أشرفوا على الخروج من النار ، ودنوا منه ، حسبما رُويَ : أنها تضربهم بلهبها فترفعهم ، حتى إذا كانوا بأعلاها ضُربوا بالمقامع ، فَهَوَوْا فيها سبعين خريفًا . وقوله : { من غَمّ } : بدل اشتمال من ضمير { منها } بإعادة الجار ، والعائد : محذوف ، أي : كلما أرادوا أن يخرجوا من غم شديد من غمومها { أُعيدوا فيها } أي : في قعرها ، بأن رُدوا من أعاليها إلى أسافلها ، من غير أن يخرجوا منها ، { و } قيل لهم : { ذُوقوا عذابَ الحريق } أي : الغليظ من النار ، العظيم الإحراق . ثم ذكر جزاء الخصم الآخر ، وهم أهل الحق ، فقال : { إن الله يُدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار } ، وغيَّر الأسلوب فيه ، بإسناد الإدخال إلى الله عزّ وجلّ ، وتصدير الجملة بحرف التأكيد إيذانًا بكمال مباينة حالهم لحال الكفرة ، وإظهارًا لمزيد العناية بحال المؤمنين ، { يُحلَّون فيها } من التحلية ، وهو التزين ، أي : تحليهم الملائكة بأمره تعالى { من أساورَ } أي : بعض أساور : جمع سوار ، { من ذهبٍ } للبيان ، أي يلبسون أساور مصنوعة من ذهب ، { ولؤلؤًا } ، من جَرَّهُ : عَطَفَهُ على { ذهب } ، أو { أساور } ، ومَنْ نَصَبَهُ : فعلى محل { من أساور } ، أي : ويُحَلَّوْنَ لؤلؤًا ، أو بفعل محذوف ، أي : ويُؤْتَوْنَ لؤلؤًا . { ولباسُهُم فيها حريرٌ } : أبريسِمْ ، وغيَّر الأسلوب ، فلم يقل : ويلبسون حريرًا لأن ثبوت اللباس لهم أمر محقق غَنِيُّ عن البيان ، إذ لا يمكن عراؤهم عنه ، وإنما المحتاج للبيان : أيُّ لباس هو ، بخلاف الأساور واللؤلؤ ، فإنها ليست من اللوازم الضرورية ، فجعل بيان حليتهم بها مقصودًا بالذات . انظر أبا السعود . { وهُدُوا إِلى الطيب من القول } ، وهو كلمة التوحيد : لا إله إلا الله أو : الحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، بدليل قوله : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ } [ فَاطِر : 10 ] . { وهُدُوا إِلى صراط الحميد } أي : المحمود ، وهو الإسلام . أو : ألهمهم اللهُ في الآخرة أن يقولوا : الحمد لله الذي صدقنا وعده ، وهداهم فيها إلى طريق الجنة . وقيل : إلى طريق الوصول إلى الله العزيز الحميد ، والله تعالى أعلم . الإشارة : قد اختصم أهل الظاهر مع أهل الباطن في شأن الربوبية ، فقال أهل الظاهر : الحق تعالى لا يُرى في دار الدنيا ، ولا تُمكن معرفته ، إلا من جهة الدليل والبرهان ، على طريق الإيمان بالغيب . وقال أهل الباطن من أكابر الصوفية : الحق تعالى يُرى في هذه الدار ، كما يرى في تلك الدار ، من طريق العرفان ، على نعت الشهود والعيان ، لكن ذلك بعد موت النفوس وحط الرؤوس لأهل التربية النبوية ، فلا يزال يحاذيه ويسير به ، حتى يقول : ها أنت وربك ، فحينئذ تشرق عليه شموسُ العرفان ، فتُغطى عنه وجود حس الأكوان ، فلا يرى حينئذ إلا المكون ، حتى لو كُلف أن يرى غيره لم يستطع إذ لا غير معه حتى يشهده . وقال بعضهم : مُحال أن تشهده ، وتشهد معه سواه . وفي مناجاة الحكم العطائية : " إلهي ، كيف يُسْتَدَلُّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك ، حتى يكون هو المظهر لك ؟ متى غِبْتَ ، حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ؟ ! ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك ؟ ! " . وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : أهل الدليل والبرهان عموم عند أهل الشهود والعيان . وهذه الطريق هي طريق التربية ، لا تنقطع أبدًا ، فمن كفر بها وجحدها قُطعت له ثياب من نار القطيعة ، فيبقى مسجونًا بسرادقات محيطاته ، محصورًا في هيكل ذاته ، لا يَرى إلا ظلمة الأكوان ، يُصب من فوق رأسه ، إلى قلبه ، حَرُّ التدبير والاختيار ، وكلما أراد أن يخرج من سجن الأكوان وغم الحجاب ردته حَيْرَةُ الدَّهَشِ ، وهيبة الكبرياء والعظمة والإجلال لأن فكرته مسجونة تحت أطباق الكائنات ، مقيدة بعلائق العوائد والشواغل والشهوات . ويقال له : ذق عذاب الحريق ، وهو حِرْمانك من شهود التحقيق . إن الله يدخل الذين آمنوا بطريق الخصوص ، جنات المعارف ، تجري من تحتها أنهار العلوم ، يُحلون فيها بأنواع المحاسن والفضائل ، ويتطهرون من جميع المساوئ والرذائل ، وهُدوا إلى الطيب من القول ، وهو الذكر الدائم بالقلب الهائم ، والمخاطبة اللينة من القلوب الصافية ، وهُدوا إلى طريق التربية والترقية ، حتى وصلوا إلى شهود الحبيب ، الحامد المحمود ، القريب المجيب . حققنا الله بمقامهم بمنِّه وكرمه . ثمَّ شرع في المقصود من السورة وهو أحكام الحج