Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 39-41)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { إلا أن يقولوا } ، قيل : منقطع ، وقال الزمخشري : في محل الجر ، بدل من حق . هـ . وهو على طريق قول الشاعر : @ لاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِراعِ الكَتَائِبِ @@ يقول الحقّ جلّ جلاله : { أُذِنَ } أي : رُخص وشرع ، أو أَذن اللهُ { للذين يُقاتَلون } أي : يُقاتلهم الكفارُ المشركون ، وحذف المأذون فيه لدلالة " يُقاتَلون " عليه ، أي : في قتالهم ، { بأنهم ظُلموا } أي : بسبب كونهم مظلومين ، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان مشركو مكة يؤذونهم أذىً شديدًا ، وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين مضروبٍ ومشجوج ، فيتظلمون إليه ، فيقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اصبروا فإني لم أومر بالقتال " حتى هاجر ، فنزلت هذه الآية . وهي أول آية نزلت في الجهاد ، بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية . { وإِنّ الله على نصرهم لقديرٌ } . وعدٌ لهم بالنصر ، وتأكيد لِما مرّ من العِدَة الكريمة بالدفع ، وتصريح بأن المراد ليس مجرد تخليصهم من يد المشركين ، بل بغلبتهم وإظهارهم عليهم . وتأكيده بكلمة التحقيق . واللام لمزيد من تحقيق مضمونه ، وزيادة توطين نفوس المؤمنين . ثم وصف الذين أَذن لهم ، أو فسرهم ، أو مدحهم بقوله : { الذين أُخرجوا من ديارهم } ، يعني مكة : { بغير حق } بغير ما يوجب إخراجهم { إلا أن يقولوا ربنا الله } أي : بغير موجب سوى التوحيد ، الذي ينبغي أن يكون موجبًا للإقرار لا للإخراج . ومثله : { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } [ المَائدة : 59 ] . { ولولا دفعُ اللهِ الناسَ } : لولا أن يدفع الله الناس { بعضهم ببعض } بتسليط المؤمنين على الكافرين في كل عصر وزمان ، وإقامة الحدود وكف المظالم ، { لهُدِّمت } أي لخربت باستيلاء الكفرة على الملل ، { صَوَامِعُ } : جمع صومَعة - بفتح الميم - ، وهي : متعبد النصارى والصابئين منهم ، ويسمى أيضًا الدير . وسُمي بها موضع الأذان من الإسلام : { وَبِيَعٌ } : جمع بيعة - بكسر الباء - : كنائس النصارى ، { وصلوات } : كنائس اليهود ، سميت بما يقع فيها ، وأصلها : صلَوتا بالعبرانية ، ثم عُربت ، { ومساجد } للمسلمين ، { يُذْكَرُ فيها اسمُ الله كثيرًا } أي : ذكرًا كثيرًا ، أو وقتًا كثيرًا ، صفة مادحة للمساجد ، خُصت بها دلالةً على فضلها وفضل أهلها . وقيل يرجع للأربع ، وفيه نظر فإنَّ ذكر الله تعالى في الصوامع والبيع والكنائس قد انقطع بظهور الإسلام ، فَقَصْدُ بيانِه ، بعد نسخ شرائعها مما لا يقتضيه المقام ، ولا ترتضيه الأفهام . وقدمت الثلاثة على المساجد لتقدمها وجودًا ، أو لقربها من التهديم . { ولينصرنّ اللهُ مَن ينصره } أي : وتالله ، لينصرن الله من ينصر دينه ونبيه - عليه الصلاة والسلام - وأولياءه . ومن نصرِه : إشهاره وإظهاره ، وتعليمه لمن لا يعلَمه ، وإعزاز حامل لوائه من العلماء والأولياء . وقد أنجز الله وعده ، حيث سلط المهاجرين والأنصارعلى صناديد العرب وأكاسرة العجم وقياصرة الروم ، وأورثهم أرضهم وديارهم ، { إِن الله لقوي عزيز } : غالب على ما يريد ، ومن جملته : نصرهم وإعلاؤهم . ثم وصف الذين أُخرجوا من ديارهم بقوله : { الذين إِن مكَّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتُوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونَهوا عن المنكر } قلت : الصواب ما قاله مكي : أنه بدل مِن : " مَن ينصره " ، في محل نصب . قيل : المراد بهم : الصحابة - رضي الله عنهم - ، وقيل : الأمة كلها . وقيل الخلفاء الأربعة لأنهم هم الذين مُكِّنوا في الأرض بالخلافة ، وفعلوا ما وصفهم الله به . وفيه دليل صحة أمرِ الخلفاء الراشدين لأن الله - عزّ وجلّ - أعطاهم التمكين ، ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة . وعن عثمان رضي الله عنه : هذا ، والله ، ثناء قبل بلاء ، يعني : أن الله تعالى أثنى عليهم قبل ظهور الشر من الهرج والفتن فيهم . { ولله عاقِبةُ الأمور } فإنَّ مرجعها إلى حكمه وتقديره فقط . وفيه تأكيد للوعد بإظهار أوليائه وإعلاء كلمته . الإشارة : إذا اتصل الإنسان بشيخ التربية فقد أذن له في جهاد نفسه ، إن أراد الوصول إلى حضرة ربه لأنها ظالمة تحول بينه وبين سعادته الأبدية . وإن الله على نصرهم لقدير لأن هِمَّةَ الشيخ تحمله وتنصره بإذن الله . وأما إن لم يتصل بشيخ التربية ، فإن مجاهدته لنفسه لا تُصيب مَقاتلها لدخولها تحت الرماية ، فلا يُصيبها ضربه ، وأما الشيخ فلأنه يريه مساوئها ويعينه على قتلها . وقوله تعالى : { الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق } هم الذين أُمروا بقتل نفوسهم ، فإنهم إذا خرقوا عوائد نفوسهم ، وخرجوا عن عوائد الناس ، رفضوهم وأنكروهم ، وربما أخرجوهم من ديارهم ، فقلَّ أن تجد وليًا بقي في وطنه الأول ، وما نقموا منهم وأخرجوهم إلا لقصدهم مولاهم ، وقولهم : ربُّنا الله دون شيء سواه ، فحيث خرجوا عن عوائدهم وقصدوا مولاهم ، أنكروهم وأخرجوهم من أوطانهم ، ولولا دفع الناس بعضهم ببعض بأن شفع خيارهم في شرارهم ، لهدمت دعائم الوجود لأنَّ من آذى وليًا فقد آذن بالحرب . قال القشيري : { ولولا دفع الله الناس } ، أي : يتجاوز عن الأصاغر لِقَدْرِ الأكابر استبقاء لمنازل العبادة ، تلك سُنَّة أجراها . ثم قال : { الذين إن مكّناهم في الأرض } ، أي : لم يشتغلوا في ذلك بحظوظٍ ، ولكن قاموا لأداء حقوقنا . هـ . وكما بشر نبيه عليه الصلاة والسلام مع المؤمنين بالدفع والنصر …