Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 42-45)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { وإن يُكذبوك } يا مُحمد ، أي : أهل مكة ، فلا تحزن فلست بأول من كُذب ، { فقد كَذَّبت قبلهم } أي : قبل قومك { قومُ نوح } نوحًا ، { وعادٌ } هودًا ، { وثمودُ } صالحًا ، { وقومُ إِبراهيمَ } إبراهيم ، { وقومُ لوطٍ } لوطًا ، { وأصحابُ مدينَ } شعيبًا ، { وكُذِّب موسى } كذَّبه فرعونُ والقبط . ولم يقل : وقوم موسى لأن موسى ما كذبه قومه بنو إسرائيل ، وإنما كذبه القبطُ . أو : كأنه لمَّا ذكر تكذيب كلُّ قوم رسولهم ، قال : وكُذِّب موسى ، مع وضوح آياته وظهور معجزاته ، فما ظنك بغيره ؟ { فأمليتُ للكافرين } : أمهلتهم وأخرت عقوبتهم ، { ثم أخذتُهم } : عَاقَبْتُهم على كفرهم ، أي : أخذت كل فريق من فِرَقِ المكذبين ، بعد انقضاء مدة إملائه وإمهاله ، { فكيف كان نكير } أي : إنكاري وتغييري حيث أبدلتهم بالنعم نقمًا ، وبالحياة هلاكًا ، وبالعمارة خرابًا ، فكان ذلك في غاية ما يكون من الهول والفظاعة . { فكأيِّن من قريةٍ أهلكناها } أي : كثيرًا من القرى أهلكناها وخربناها بإهلاك أهلها ، { وهي ظالمةٌ } أي : والحال أنها ظالمة بالكفر والمعاصي ، { فهي خاوية } : ساقطة على { عروشها } ، من خوى النجم : سقط . والمعنى أنها ساقطة على سقوفها ، أي : خربت سقوفُها على الأرض ، ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف . ويجوز أن يكون { على عروشها } : خبرًا بعد خبر ، أي : فهي خالية من السكان ، وهي على عروشها ، أي : قائمة مشرفة على السقوف الساقطة . { وبئرٍ مُعَطَّلَةٍ } أي : وكم من بئر متروكة مهملة في البوادي والحواضر ، لا يستسقى منها لهلاك أهلها مع توفير مائها ، { وقصْرٍ مَشيدٍ } : مرفوع البنيان ، من شاد البنيان : إذا رفعه ، أو مجصّص بالشيد ، أي : الجص ، أي : مبنيًا بالشيد والجندل . وقال الضحاك : كانت هذه البئر المعطلة بحضرموت ، في بلدة يقال لها : حاضوراء ، وذلك أن أربعة آلاف ممن آمن بصالح ، ونجوا من العذاب ، أتوا حضرموت ، ومعهم صالح ، فلما حضروا ذلك الموضع ، مات صالح ، فسُمي حضرموت لأن صالحًا لما حضره مات ، فبنوا حاضوراء ، وقعدوا على هذه البئر ، فأقاموا دهرًا طويلاً ، وتناسلوا حتى كثروا ، ثم عبدوا الأصنام وكفروا ، فأرسل الله إليهم نبيًا يقال له : " حنظلة بن صفوان " ، فقتلوه فأهلكهم الله ، وعطلت بئرهم وخربت قصورهم . هـ . وحاصل المعنى : وكم قرية أهلكناها ، وكم بئر عطلناها عن سقاتها ، وقصر مشيد أخليناه عن ساكنه ، أي : أهلكنا البادية والحاضرة جميعًا ، فخلت القصور عن أربابها ، والآبار عن روادها . فالأظهر أن البئر والقصر على العموم . الإشارة : ما سلّى به الرسل - عليهم السلام - تسلى به الأولياء - رضوان الله عليهم - فتكذيب أهل الخصوصية سُنَّة ماضية ، غير أن مُكذبي الرسل يُعاجَلون بالعقوبة ، ومكذبي الأولياء يعاقبون بالبعد والحجاب . وقال القشيري : { وبئر معطلة } ، الإشارة إلى العيون المفجرة من بواطنهم ، { وقصر مشيد } الإشارة إلى تعطيل أسرارهم عن ساكنيها ، من الهيبة والأنس وسائر المواجيد . هـ . قلت : وكأنه فسر القرية بالقلب ، وهلاكه : خلاؤه من نور التوحيد ، فقلوب الغافلين خاوية على عروش عقولهم ، المطموس نورها ، وعيون بواطنهم معطلة من الفكرة ، وأسرارهم خاربة من نور النظرة . والله تعالى أعلم . ثمَّ أمر بالاعتبار عن سلف من القرون المهلكة والآبار المعطلة