Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 46-48)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { أفلم } : الفاء عطف على مقدار أي أَغفلوا فلم يسيروا فيعتبروا ، { فإنها } : ضمير القصة ، أو مبهم يُفسره ما بعده . و { لن يخلف الله وعده } : حالية ، أي : ينكرون مجيء العذاب الموعود ، والحال : أنه تعالى لا يخلف وعده ، أو اعتراضية مُبينة لما ذكر ، و { إنَّ يومًا } : استئنافية ، إن كانت الأولى حالية ، ومعطوفة ، إن كانت اعتراضية سيقت لبيان خطئهم . يقول الحقّ جلّ جلاله : { أَفَلَمْ يسيروا في الأرض } فيروا مصارعَ من أهلكهم اللهُ بكفرهم ، ويشاهدوا آثارهم الدارسة وقصورهم الخالية ، وديارهم الخربة ، فيعتبروا . وهو حث لهم على السفر ليشاهدوا ذلك . { فتكون لهم } بسبب ما شاهدوه من مظان الاعتبار ومواطن الاستبصار { قلوبٌ يعقلون بها } ما يجب أن يُعقل من التوحيد ونحوه ، { أو آذانٌ يسمعون بها } ما يجبُ أن يُسمع من الوحي أو من أخبار الأمم المهلكة ممن يجاورُهم من الناس فإنهم أعرف بحالهم . قال ابن عرفة : لما تضمن الكلام السابق إهلاك الأمم السالفة ، وبقيت آثارهم خرابًا ، عقبه بذم هؤلاء في عدم اتعاظهم بذلك . والسير في الأرض : إمَّا حسي ، أو معنوي باعتبار سماع أخبارها من الغير ، أو قراءتها في الكتب . فقوله : { فتكون لهم قلوب } : راجع للسير الحسي ، وقوله : { أو آذان } للسير المعنوي . هـ . { فإنها لا تعمى الأبصارُ } الحسية ، { ولكن تعمى القلوبُ } عن التفكر والاعتبار ، أي : ليس الخلل في مشاعرهم ، ولكن الخلل في عقولهم ، باتباع الهوى والانهماك في الغفلة . وذكر الصدور للتأكيد ، ونفي توهم التجوز لأن قلب الشيء : لبه ، فربما يقال : إن القلب يراد به هذا العضو ، ولكل إنسان أربع أعين : عينان في رأسه ، وعينان في قلبه ، وتسمى البصيرة ، فإن انفتح ما في القلب ، وعمي ما في الرأس فلا يضر ، وإن انفتح ما في الرأس وانطمس ما في القلب لم ينفع ، والتحق بالبهائم ، بل هو أضل . ثم ذكر علامة عمى القلوب ، وهو الاستهزاء بالوعد الحق ، فقال : { ويستعجلونك بالعذاب } المتوعد به استهزاء وإنكارًا وتعجيزًا ، { ولن يخلف الله وعده } أي : يستعجلون به ، والحال أنه تعالى لا يخلف وعده أبدًا ، وقد سبق الوعد به ، فمن لا يخلف وعده فلا بد من مجيئه ، ولو بعد حين . { وإِن يومًا عند ربك كألفِ سنةٍ مما تَعدُّون } أي : كيف يستعجلونك بعذاب من يومْ واحد من أيام عذابه في طول ألف سنة من سنيكم لأن أيام الشدة طُوال . وقيل : تطول حقيقة ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : " يَدْخُلُ الفُقَرَاءُ الجَنَّةَ قِبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْم ، وذَلِكَ خَمْسِمِائِةِ سَنَةٍ " { وكأيِّن من قريةٍ أمليت لها وهي ظالمةٌ ثم أخذتُها } أي كثيرًا من أهل قرية كانوا ظالمين مثلكم ، قد أمهلتهم حينًا وأمليت لهم ، كما أمليت لكم ، ثم أخذتهم بالعذاب والنكال بعد طول الإملاء والإمهال . والإملاء هو الإمهال مع إرادة المعاقبة . { وإِليَّ المصيرُ } أي : المرجع إليَّ ، فلا يفوتني شيء من أمر المستعجلين وغيرهم ، أو : إلى حكمي مَرجع الكل ، لا إلى غيري ، لا استقلالاً ولا شركة ، فأفعل بهم ما يليق بأعمالهم . والله تعالى أعلم . الإشارة : عمى القلوب هو انطماس البصيرة ، وعلامة انطماسها أمور : إرسال الجوارح في معاصي الله ، والانهماك في الغفلة عن الله ، والوقيعة في أولياء الله ، والاجتهاد في طلب الدنيا مع التقصير فيما طلبه منه الله . وفي الحِكَم : " اجتهادك فيما ضمن لك ، وتقصيرك فيما طلب منك ، دليل على انطماس البصيرة منك " . وعلامة فتحها أمور : المسارعة إلى طاعة الله ، واستعمال المجهود في معرفة الله ، بصحبة أولياء الله ، والإعراض عن الدنيا وأهلها ، والأنس بالله ، والغيبة عن كل ما سواه . واعلم أن البصر والبصيرة متقابلان في أصل نشأتهما ، فالبصر لا يُبصر إلا الأشياء الحسية الحادثة ، والبصيرة لا تُبصر إلا المعاني القديمة الأزلية ، فإذا انطمست البصيرة كان العبد مفروقًا عن الله ، لا يرى إلا الأكوان الظلمانية الحادثة . وفي ذلك يقول المجذوب رضي الله عنه . @ مَنَ نَظَرَ الكَوْن بِالْكَوْنِ غَرَّهُ في عمى البصيرة ومن نظر الكون بالمكون صادق علاج السريرة @@ وإذا انفتحت البصيرة بالكلية استولى نورها على نور البصر ، فانعكس نور البصر إلى البصيرة ، فلا يرى العبدُ إلا أسرار المعاني الأزلية ، المفنية للأواني الحادثة ، فيغيب عن رؤية الأكوان بشهود المكون . وعِلاَجُ انفتاحها يكون على يد طبيب ماهر عارف بالله ، يقدحها له بمرود التوحيد ، فلا يزال يعالجها بإثمد توحيد الأفعال ، ثم توحيد الصفات ، ثم توحيد الذات ، حتى تنفتح . فتوحيد الأفعال والصفات يُشهد قُرب الحق من العبد ، وتوحيد الذات يُشهد عدمه لوجود الحق ، وهو الذي أشار إليه في الحكم بقوله : " شعاع البصيرة يشهدك قرب الحق منك ، وعين البصيرة يشهدك عدمك لوجوده ، وحق البصيرة يشهدك وجود الحق ، لا عدمك ولا وجودك . كان الله ولا شيء معه ، وهو الآن على ما عليه كان " . فيرى حينئذ من أسرار الذات وأنوار الصفات ما لا يراه الناظرون ، ويشاهد ما لا يشاهده الجاهلون . وفي ذلك يقول الحلاج : @ قلُوبُ العَارفينَ لَهَا عُيُونٌ تَرَى مَا لا يُرَى للنَّاظِرِينَا وأجْنِحَةٌ تَطِيرُ بِغَيْرِ رِيشٍ إلَى مَلَكُوتِ رَبِّ العَالمِينا وألْسِنَةٌ بأسْرَارٍ تُنَاجِي تَغيبُ عن الكِرَامِ الكَاتِبِينا @@ وقال الورتجبي : الجهال يرون الأشياء بأبصار الظواهر ، وقلوبهم محجوبة عن رؤية حقائق الأشياء ، التي تلمع منها أنوار الذات والصفات ، وأعماهم الله بغشاوة الغفلة وغطاء الشهوة . هـ . ثمَّ أمر نبيه بالجواب عن استعجالهم العذاب