Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 63-65)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { فتصبح } : عطف على { أنزل } ، والعطف بالفاء أغنى عن الضمير ، وإيثار صيغة الاستقبال للإشعار بتجدد أثر الإنزال ، وهو الاخضرار واستمراره ، أو لاستحضار صورة الاخضرار ، وإنما لم ينصب جوابًا للاستفهام لأنه لو نصب لبطل الغرض لأن معناه في الرفع إثبات الاخضرار ، فينقلب في النصب إلى نفيه ، كما تقول لصاحبك : ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر ، إن نصبته نفيت شكره ، وشكوت من تفريطه ، وإن رفعته أثبت شكره . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ألم تر } يا محمد ، أو يا من يسمع ، { أن الله أنزل من السماء ماءً } مطرًا { فتصبحُ الأرض مخضرةً } بالنبات ، بعدما كانت مسودة يابسةً ، { إِنَّ اللهَ لطيفٌ } بعباده ، أو في ذاته لا يدرك ، { خبيرٌ } بمصالح خلقه ومنافعهم ، أو اللطيف المختص بدقائق التدبير ، الخبير بكل جليل وحقير ، قليل وكثير . { له ما في السماوات وما في الأرض } مُلكًا ومِلْكًا ، قد أحاط بهم قدرةً وعلمًا ، { وإِنَّ الله لهو الغني } عن كل شيء ، المفتقر إليه كل شيء ، { الحميد } : المحمود بنعمته ، قبل ثناء من في السماوات والأرض عليه ، أو المستحق للحمد ، أعطى أو لم يعط . ثم ذكر موجب الحمد من عباده ، فقال : { ألم ترَ أن الله سخَّر لكم ما في الأرض } من الأنعام لتأكلوا منها ، ومن البهائم لتركبوها في البر ، { والفُلكَ تجري في البحر بأمره } : بقدرته وإذنه ، أي : وسخر لكم المراكب حال كونها جارية في البحر بإذنه ، { ويُمسكُ السماء أن تقعَ على الأرض } أي : يحفظها من السقوط ، بأن خلقها على هيئة متداعية إلى الاستمساك ، { إِلا بإِذنه } : إلا بمشيئته ، وذلك يوم القيامة ، وفيه رد لاستمساكها بذاتها فإنها مساوية لسائر الأجسام في الجسمية ، فتكون قابلة للميل الهابط قبُولَ غيرها . { إِنَّ الله بالناس لرؤوفٌ رحيمٌ } حيث هيأ لهم هذه الأسباب لقيام معاشهم ، وفتح لهم أبواب المنافع ، ودفع عنهم أنواع المضار ، فأوضح لهم مناهج الاستدلال بالآيات التكوينية والتنزيلية ، فله الحمد وله الشكر . الإشارة : ألم تر أن الله أنزل من سماء المعاني ماء علم الغيوب ، وهو علم أسرار الذات وأنوار الصفات ، أعني : التوحيد الخاص ، فإذا نزل على أرض النفوس ، اهتزت وربت ، واخضرت بالعلوم والمعارف ، إن الله لطيف خبير ، لطيف لسريان معانيه اللطيفة في كل شيء ، خبير ببواطن كل شيء ، فمن كوشف بلطيف معانيه وإحاطة علمه في كل شيء ، وبكل شيء ، حيي قلبه بمعرفة الله ، واخضرت أرض نفسه بأنواع العلوم والمعارف . ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض ، يكون عند أمركم ونهيكم ، وفلك الفكرة تجري في بحر التوحيد بأمره ، ويُمسك سماء الأرواح أن تقع على أرض الحظوظ إلا بإذنه ، بعد الرسوخ في معرفته ، والتمكين من الفهم عنه ، إن الله بالناس لرؤوف رحيم حيث فتح لهم باب العلوم ، وهيأ لهم أسباب الفهوم ، وهي الرياضة والتأديب . ثمَّ ذكر دليلاً آخر على قدرته