Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 101-105)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { فإذا نُفخ في الصور } لقيام الساعة ، وهي نفخة البعث والنشور ، وقيل : فإذا نفخ في الأجسادِ أرواحها ، على أن الصور جمع صورة ، ويؤيده القراءة بفتح الواو مع الضم ، وبه مع كسر الصاد . { فلا أنساب بينهم يومئذٍ } تنفعهم ، لزوال التراحم والتعاطف بينهم من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة ، بحيث يفر المرءُ من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه . قال ابن عباس : لا يفتخرون بالأنساب والأحساب في الآخرة ، كما كانوا يفتخرون في الدنيا { ولا يتساءلون } لا يسأل بعضهم بعضاً لاشتغال كل منهم بنفسه ، ولا يناقضه قوله تعالى : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [ الصافات : 27 ] لأن هذا - أي : سكوتهم - عند ابتداء النفخة الثانية ، وذلك بعدها لأن يوم القيامة ألوان ، تارة يبهتون ولا يتساءلون ، وتارة يفيقون ، فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون . وقال ابن عباس : إنما عنى النفخة الأولى ، حين يصعق الناس ، فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون ، { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [ الزمر : 68 ] ، { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ } . نقله الثعلبي . { فمن ثَقُلَتْ موازينهُ } أي : موزونات حسناته من العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة ، { فأولئك هم المفلحون } الفائزون بكل مرغوب ، الناجون من كل مرهوب ، { ومن خفت موازينهُ } أي : ومن لم يكن له من العقائد والأعمال ما يوزن - وهم الكفار - لقوله : { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } [ الكهف : 105 ] ، وتقدم ما فيه . { فأولئك الذين خسروا أنفسهم } : ضيعوها بتضييع زمان استكمالها ، وأبطلوا استعدادها لنيل كمالها ، { في جهنم خالدون } ، وهو خبر ثان لأولئك ، أو بدل من الصلة ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : يؤخذ بيد العبدِ أو الأمة يوم القيامة ، فينصب على رؤوس الأولين والآخرين ، ثم ينادي مناد : هذا فلان بن فلان ، من كان له حق فليأت إلى حقه ، فتفرح المرأة أن يدور لها الحق على ابنها ، أو على زوجها ، أو على أبيها ، أو على أخيها ، ثم قرأ ابن مسعود : { فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون } ، ثم يقول الرب تعالى : آت هؤلاء حقوقهم ، فيقول ربِّ ، فنيت الدنيا فمن أين آتيهم ؟ فيقول للملائكة : خذوا من حسناته فأعطوا كل إنسان بقدر طلْبته … إلخ الحديث ، انظر النسفي . قال تعالى : { تلفح وجوهَهُم النار } تحرقها ، واللفح كالنفخ ، إلاَّ أنه أشد تأثيراً منه ، وتخصيص الوجوه بذلك لأنها أشرف الأعضاء . { وهم فيها كالحون } : عابسون من شدة الإحراق ، والكلوح : تقلص الشفتين من الإنسان ، قال النبي صلى الله عليه وسلم في كالحون : " تَشْوِيهِ النَّارُ فَتَقلَّص شَفَتَهُ العُلْيَا ، حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأَسِهِ ، وَتَسْتَرخِي السُّفْلَى حَتَّى تَبْلُغَ سُرَّته " فيقال لهم - تعنيفاً وتذكيراً لما به استحقوا ما ابتلوا به : { ألم تكن آياتي } أي : القرآن { تُتْلَى عليكم } في الدنيا { فكنتم بها تُكذِّبون } حينئذٍ ، فذوقوا وبال ما كنتم به تكذبون . نسأل الله التوفيق والهداية . الإشارة : قال الترمذي الحكيم : الأنساب كلها منقطعة إلا من كانت نسبته صحيحة في عبودية ربه ، فإن تلك نسبة لا تنقطع أبداً ، وتلك النسبة المفتخر بها ، لا نسبة الأجناس من الآباء والأمهات والأولاد . هـ . وقال الورتجبي : عند المعاينة والمشاهدة بوجوده ونشر جوده ، نسبهم هناك نسب المعرفة والمحبة الأزلية ، واصطفائيته القدسية ، لا يفتخرون بشيء دونه ، من العرش إلى الثرى ، ولا يتساءلون شغلاً بما هم فيه . هـ . ومعنى كلام الشيخين : أن العبد ، إذا صحت نسبته إلى مولاه ، وانقطع بكليته إليه ، ورفض كل ما سواه ، اتصلت نسبته ، ودامت محبته وأنسه ، ومن تعلق بغيره ، وتودد إلى سواه ، انقطع ذلك وانفصل ، ومن النسب التي تتصل وتدوم ، النسبة إلى أولياء الله ، والتحبب إليهم وخدمتهم ، وهي في الحقيقة من نسبة الله تعالى لأنها سبب معرفته والتحقق بعبوديته ، فهي عينها ، فمن انتسب إليهم فقد انتسب إلى الله ، ومن أحبهم فإنما أحب الله ، فمحبتهم ، والاجتماع معهم يؤدي إلى محبة الله ورضوانه ، وهم الذين يكونون عن يمين الرحمن ، يغشى نورُهُم الناس يوم القيامة ، يغبطهم النبيون والشهداء لمنزلتهم عند الله . قال عليه الصلاة والسلام : لما سئل عنهم : " هم رجال من قبائل شتى ، يجتمعون على ذكر الله ومحبته " أو كما قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث . والله تعالى أعلم . ثمَّ ذكر جواب أهل النار