Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 31-41)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { ثم أنشأنا من بعدهم } من بعد قوم نوح { قرناً } أي : قوماً { آخرين } هم عادٌ قوم هود ، حسبما رُوي عن ابن عباس ، ويشهد له قوله تعالى : { وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } [ الأعراف : 69 ] ، ومجيء قصة هود على إثر قصة نوح في الأعراف وهود والشعراء ، ونقل ابن عطية عن الطبري : أن المراد بهم ثمود قوم صالح ، قال : والترتيب يقتضي قوم عاد ، إلاَّ أنهم لم يُهلكوا بالصيحة ، بل بالريح ، قال في الحاشية : والظاهر أنهم صالح . كما قاله الطبري . وحمل الواحدي الصيحة على صيحة العذاب ، فيتجه لذلك أنهم عاد قوم هود ، وقد تقرر أن ثمود بعد عاد . ثم قال : وفي السيرة : عادٌ بن عوص بن إرَم بن سام بن نوح ، وثمود بن عابر بن أرَم بن سام بن نوح . هـ . { فأرسلنا فيهم } ، الإرسال يُعَدّى بإلى ، ولم يُعَدَّ بها هنا وفي قوله : { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِىۤ أُمَّةٍ } [ الرعد : 30 ] ، { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ } [ الأعراف : 94 ] لأن الأمة والقرية جعلت موضعاً للإرسال ، إيذاناً بأن المرسَل إليهم لم يأتهم من غير مكانهم ، بل إنما نشأ بين أظهرهم ، كما ينبىء عنه قوله : { رسولاً منهم } أي : من جملتهم نسباً ، وهو : هود أو صالح ، فإنهما - عليهما السلام - كانا منهم . قائلاً لهم : { أنِ اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيرهُ أفلا تتقون } عذابه ، الذي يقتضيه ما أنتم عليه من الشرك والمعاصي . { وقال الملأُ من قومه } ، ذكر مقال قوم هود ، في جوابه ، في الأعراف وهود بغير " واو " لأنه على تقدير سؤال سائل ، قال : فما قال قومه ؟ فقيل : قالوا : كيت وكيت ، وهنا مع الواو لأنه عطفٌ لما قالوه على ما قاله الرسول ومعناه : حكاية قولهم الباطل إثر حكاية قول الرسول الحق ، وليس بجواب للنبي متصل بكلامه ، وجيء بالفاء في قصة نوح عليه السلام لأنه جواب لقوله ، واقعٌ عَقِبَه ، ، أي : وقال الأشراف من قومه { الذين كفروا } ، وُصفوا بالكفر ذَماً لهم ، وتنبيهاً على غُلوِّهم فيه ، { وكذَّبوا بلقاء الآخرة } أي : بلقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب وغير ذلك ، أو بمعادهم إلى الحياة الثانية ، { وأترفناهم } : نَعَّمناهم { في الحياة الدنيا } بكثرة الأموال والأولاد ، أي : قالوا لأتباعهم ، مُضلين لهم : { ما هذا } النبي { إلا بشرٌ مثلُكم } في الصفة والأحوال ، والاحتياج إلى القِوام ، ولم يقولوا : مثلنا تهويناً لأمره عليه السلام . ثم فسر المثلية بقوله : { يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون } أي : منه ، فحذف لدلالة ما قبله عليه ، { ولئن أطعتم بشراً مثلكم } فيما يأمركم به وينهاكم عنه ، { إنكم إذاً لخاسرون } بالانقياد لمثلكم ، ومن حمقهم أنهم أبَوْا اتِّباع مثلهم وعبدوا أعجز منهم . { أَيعدُكُمْ أنكم إِذا مِتُّم } - بالكسر والضم - من مات يُمات ويموت ، { وكنتم تراباً وعظاماً } نخرة ، { أنكم مُخْرَجُون } ، فأنكم الثانية ، توكيد للأولى للفصل بينهما ، والتقدير : أيعدكم أنكم مخرجون بالبعث إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً ؟ { هيهات هيهاتَ } ، تكرير لتأكيد البُعد ، وهو اسم فعل مبني على الفتح ، واقع موقع بَعُد ، فاعلها مضمر ، أي : بعد التصديق أو الوقوع { لِما تُوعدون } من العذاب ، أو فاعلها : " ما توعدون " ، واللام زائدة ، أي بَعُد ما تعدون من البعث ، وقيل : ما توعدون من البعث . وقيل : مبتدأ ، وهما اسم للبعد ، و لما توعدون : خبر ، أي : بُعْدٌ بُعْدٌ لما توعدون ، { إن } : ما { هِيَ إلا حياتنا الدنيا } ، والضمير لا يُعْلَمُ ما يُغْنَى به إلا بما بعده من بيانه ، وأصله : إن الحياةُ إلا حياتنا ، وأتى بالضمير حذراً من التكرير ، أي : لا حياة إلا هذه الحياة التي نحن فيها ، ودنت منها ، { نموت ونحيا } أي : يموت بعضنا ويولد بعضٌ ، إلى انقراض العصر ، { وما نحن بمبعوثين } بَعد الموت ، { إن } ما { هو إلا رجل افترى على الله كَذِباً } فيما يدَّعيه من الإرسال ، وفيما يَعدنا من البعث ، { وما نحن له بمؤمنين } : بمصدِّقين بما يقول . { قال } هود ، أو صالح - عليهما السلام - بعدما سلك في دعوتهم كل مسلك ، متضرعاً إلى الله - عز وجل - : { ربِّ انصرني } عليهم ، وانتقم منهم { بما كذَّبونِ } أي : بسبب تكذيبهم إياي وإصرارهم عليه ، { قال } تعالى إجابة لدعائه : { عمَّا قليلٍ } أي : عن زمان قليل ، زيدت " ما " ، بين الجار والمجرور لتأكيد معنى القلة ، أو نكرة موصوفة ، أي عن شيء قليل { ليصبِحُنَّ نادمين } عما فعلوا من التكذيب ، وذلك عند معاينتهم العذاب . { فأخذتهم الصيحةُ } ، لعلهم ، حين اصابتهم الريح العقيم ، أُصيبوا في تضاعيفها بصيحة هائلة من صوته . أو يراد بها : صرير الريح وصوته . وقد رُوي أن شَدَّاداً حين أتم بناء إرم ، سار إليها بأهله ، فلما دنا منها بعث الله عليهم صيحة من السماء ، فهلكوا ، وقيل : الصيحة : العذاب المصطلِم ، قال الشاعر : @ صَاحَ الزَّمانُ بآلِ فُدَكٍ صيَحةً خَرُّوا لشِدَّتها ، على اْالأَذْقَانِ @@ وإذ قلنا : هم قوم صالح ، فالصيحة صيحة جبريل عليه السلام ، صاح عليهم فدمرهم . وقوله : { بالحق } أي : بالعدل من الله ، يقال : فلان يقضي بالحق ، أي بالعدل ، أو : أخذتهم بالحق ، أي : بالأمر الثابت الذي لا دفاع له ، { فجعلناهم غُثاء } أي : كغثاء السيل ، وهو ما يحمله من الورق والحشيش ، شبههم في دمارهم بالغثاء ، وهو ما يرميه السيل ، من حيث أنهم مَرْمِي بهم في كل جانب وسَهْب . { فبُعداً } : فهلاكاً ، يقال بَعُدَ بُعْداً ، أي : هلك هلاكاً ، وهو من المصادر المنصوبة بأفعال لا تظهر أفعالها ، أي : فسحقاً { للقوم الظالمين } ، وهو إخبار ، أو دعاء ، واللام لبيان من دُعي عليه بالبُعد ، كقوله : { هَيْتَ لَكَ } [ يوسف : 23 ] . والله تعالى أعلم . الإشارة : من عادة الحق - سبحانه - ، إذا أكب الناس على دنياهم ، واتخذوا إلههم هواهم ، بعث من يذكرهم بالله ، فيقول لهم : اعبدوا الله ، ما لكم من إله غيره ، أي : أفردوه بالمحبة ، واقصدوه بالوجهة ، فما عبدَ الله من عبد هواه ، فيقول المترفون ، وهم المنهمكون في الغفلة ، المحجوبون بالنعمة عن المنعم ، الذين اتسعت دائرة حسهم : ما هذا الذي يعظكم ، ويريد أن يخرجكم عن عوائدكم ، ألا بشر مثلكم ، يأكل مما تأكلون ، ويشرب مما تشربون ، وما دَروا أنَّ وصف البشرية لا ينافي وجود الخصوصية ، فإذا تمادوا في غفلتهم ، وأيس من هدايتهم ، ربما دعا عليهم ، فأصبحوا نادمين ، حين لا ينفعهم الندم ، وذلك عند نزول هواجم الحِمَامِ . وبالله التوفيق .