Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 42-44)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : القرن : أهل العصر ، سُموا به لِقران بعضهم البعض ، و تترا : حال ، فمن قرأه بالألف فهو كسكرى ، وهو من الوتر ، واحداً بعد واحد ، فالتاء الأولى بدل من الواو ، وأصله : وَترى ، كتراث وتقوى ، والألف للتأنيث ، باعتبار أن الرسل جماعة ، ومن نَوَّنَه جعله كأرطى ومعزى ، فيقال : أرطى ومعزى ، وقيل : مصدر بمعنى فاعل ، أي : متتابعين . يقول الحق جل جلاله : { ثم أنشأنا من بعدهم } أي : من بعد قوم هود ، { قروناً آخرين } قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم ، { ما تسبق من أمة } ، " مِنْ " صلة ، أي : ما تتقدم أمة من الأمم المهلكة { أجلَها } الذي عُيِّن لهلاكها في الأزل ، { وما يستأخرون } عنه ساعة . { ثم أرسلنا رسلَنا } ، عطف على " أنشأنا " ، على معنى أن إرسالهم متراخ عن إنشاء القرون المذكورة ، وما بينهما اعتراض ، والمعنى : ثم أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين ، قد أرسلنا إلى كل قرن منهم رسولاً خاصاً به ، والفصل بين الجملتين بالجملة المتعرضة الناطقة بعدم تقدم الأمم من أجلها المضروب لهلاكهم للمسارعة إلى بيان هلاكهم على وجهٍ إجمالي . وقوله : { تَتْرَى } أي : متواترين واحداً بعد واحد ، أو متتابعين يتبع بعضهم بعضاً ، { كلما جاء أمةً رسولها كذبوه } ، الرسول يلابس المرسِل والمرسلَ إليه ، والإضافة تكون بالملابسة ، فأضافهم أولاً إلى نون العظمة ، وهنا إلى المرسل إليهم للإشعار بكمال شناعتهم وضلالتهم ، حيث كذبت كلُّ أمةٍ رسولها المعين لها ، وعبَّر عن التبليغ بالمجيء للإيذان بأنهم كذبوه في الملاقاة الأولى ، { فأتبعنا بعضَهم بعضاً } في الهلاك ، كما تبع بعضهم بعضاً في الكفر والتكذيب ، الذي هو سبب الهلاك ، { وجعلناهم أحاديثَ } أخبار ، يُسمر بها ويُتعجب منها ، أي : لم يبق منهم إلا حكايات يعتبر بها المعتبرون ، والأحاديث يكون اسم جمع للحديث ، ومنه : أحاديث النبي - عليه الصلاة والسلام - ويكون جمعاً للأحدوثة ، وهي ما يتحدث بها الناس تلهياً وتعجباً ، وهو المراد هنا { فبعداً لقوم لا يؤمنون } به وبرسله اقتصر هنا على عدم إيمانهم وأما القرون الأولى فحيث نقل عنهم ما مرَّ من العتو وتجاوز الحد في الكفر والعدوان وصفهم بالظلم . والله تعالى أعلم وأحكم . الإشارة : كل ما حكى الله تعالى عن القرون الماضية والأمم السابقة ، فالمراد ترهيب هذه الأمة المحمدية ، وإزعاجٌ لها عن أسباب الهلاك ، وإنهاض لها إلى العمل الصالح ، لتكون أحاديث حِساناً بين الأمم ، فكل إنسان ينبغي له أن يجتهد في تحصيل الكمالات العلمية والعملية ، ليكون حديثاً حسناً لمن بعده ، كما قال القائل : @ مَا الْمَرءُ إلا حديثٌ من بَعدِه فَكنْ حَديثاً حَسَناً لِمَن وَعَا @@ وقال آخر : @ ومَا الْمَرءُ إلا كالشَّهابِ وضَوْؤهُ يَحورُ رَماداً بَعْدَما هو سَاطِعُ ومَا المَالُ والأَهلْونَ إلا وديعةٌ ولا بُدَّ يوماً أن تُردَّ الْودَائِعُ @@ وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر رسالة موسى وهارون عليهما السلام