Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 45-49)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " هارون " : بدل من " أخاه " . يقول الحق جل جلاله : { ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا } التسع من اليد ، والعصا ، والطوفان ، والجراد ، والقُمَّل ، والضفادع ، والدم ، ونقص الثمرات ، والطاعون . ولا مساغ لعدّ فلق البحر منها إذ المراد الآيات التي كذبُوها واستكبروا عنها ، بدليل ما بعدها . { وسلطانٍ مبينٍ } وحجة واضحة مُلزِمَة للخصم الإقرار بما دُعي إليه ، وهي إمّا العصا ، وإفرادها بالذكر مع اندراجها في الآيات لأنها أبهر آياته عليه السلام ، وقد تضمنت معجزات شتى من انقلابها ثعباناً ، وتلقفها ما أفكته السحرة ، كما تقدم . وأما التعرض لانفلاق البحر وانفجار العيون من الحجر بضربها ، وحراستها ، وصيرورتها شمعة ، وشجرة خضراء مثمرة ، ودلْواً ورشاء ، وغير ذلك مما ظهر منها في غير مشهد فرعون وقومه ، فغير ملائم لمقتضى المقام ، وإمّا ما أتى به من الحجج الباهرة ، فيشمل ما تقدم وغيره . { إلى فرعون وملَئه } أي : أشراف قومه ، خصهم بالذكر ليرتب عليه ما بعده من قوله : { فاستكبروا } عن الإنقياد وتمردوا . تكبراً وترفعاً ، { وكانوا قوماً عالين } : متكبرين ، متمردين ، { فقالوا } ، فيما بينهم ، على طريق المناصحة : { أنؤمن لبشَرَيْنِ مثلنا } ، " مثل " و " غير " يوصف بها الإثنان والجمع والمذكر والمؤنث ، والبشر يطلق على الواحد ، كقوله : { بَشَراً سَوِياًّ } [ مريم : 17 ] ، وعلى الجمع ، كقوله : { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً } [ مريم : 26 ] ، وأراد به هنا الواحد ، فثناه ، أي : كيف نؤمن لبشرين مثلنا في العجز والافتقار ، { وقومهما لنا عابدون } أي : خادمون منقادون لنا كالعبيد ، وكأنهم قصدوا بذلك التعريض بهما - عليهما السلام - وحط رتبتهما العلية عن منصب الرسالة من وجه آخر غير البشرية ، بناء على زعمهم الفاسد ، من قياس الرئاسة الدينية على الرئاسات الدنيوية ، الدائرة على التقدم في نيل الحظوظ الدنيوية ، من المال والجاه ، كدأب قريش ، حيث قالوا : { لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } [ الأحقاف : 11 ] . { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] . وعلى جهلهم بأن مناط الاصطفاء للرسالة هو السبق في حيازة النعوت العلية ، وإحراز الكمالات السنية ، جِبِلَّةً او اكتساباً ، { فكذبوهما } أي : فتمادوا على تكذيبهما ، وأصروا ، واستكبروا استكباراً ، { فكانوا من المهلَكِين } بالغرق في بحر القلزم . { ولقد آتينا } بعد إهلاكهم ، وإنجاء بني إسرائيل من مِلكِهم واسترقاقهم ، { موسى الكتابَ } : التوراة ، ولَمَّا نزلت لإرشاد قومه جُعلوا كأنهم أوتوها ، فقيل : { لعلهم يهتدون } إلى الحق بالعمل بما من الشرائع والأحكام ، وقيل : على حذف مضاف ، أي : آتينا قوم موسى ، كقوله : { عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ } [ يونس : 83 ] ، أي : من آل فرعون وملئهم . والله تعالى أعلم . الإشارة : كل من طُرد وأُبعد عن ساحة رحمة الله تعالى والوصول إليه ، فإنما سببه التكبر والعلو ، وكل من قرب ووصل إلى الله فإنما سببه التواضع والحنو ، ولذلك ورد : " لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كان في قَلْبِه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ " وحقيقة الكِبرِ : بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ ، أي : إنكار الحق واحتقار الناس ، وفي مدح التواضع والخمول ما لا يخفى . فمن تواضع ، دون قدره ، رَفَعَهُ الله فوق قدره ، فالتواضع مصيدة الشرف ، به يصطاد وينال ، ومن أوصاف أهل الجنة : " كل ضعيف مستضعف ، لو أقسم على الله لأبره في قسمه " ، إلى غير ذلك من الأخبار . وكل من أنكر على أهل الخصوصية فسببه إما الحسد ، أو الجهل بأن الخصوصية لا تنافي أوصاف البشرية ، أو قياس الرئاسة الباطنية الدينية على الرئاسة الدنيوية ، فأسقط من لا رئاسة له في الظاهر ولا جاه ، أو لعدم ظهور الكرامة ، وهي غير مطلوبة عند المحققين . والله تعالى أعلم . ثم ذكر عيسى عليه السلام