Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 50-50)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { وجعلنا ابنَ مريَم وأمه آيةً } دالة على كمال قدرتنا بولادته منها من غير مسيس بشر ، ووحَّدها لأن الأعجوبة فيهما واحدة . أو المراد : وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية ، فحذفت الأولى لدلالة الثانية عليها ، أي : وجعلنا ابن مريم وحده ، من غير أن يكون له أب ، آية ، وأمه ، من حيث أنها وَلدت من غير ذَكَر ، آية ، وتقديمه عليه السلام لأصالته فيما ذَكَر من كونه آية كما أن تقديم أمه في قوله تعالى : { وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 91 ] ، لأصالتها فيما نسب إليها من الإحصان والنفخ . { وآويناهما } أي : جعلنا مأويهما ومنزلهما { إلى ربوةٍ } أي : أرض مرتفعة ، وهو بيت المقدس فإنها كبد الأرض ، وأقرب الأرض إلى السماء ، بمعنى أنه يزيد علوها على علو الأرض ، فينتقصُ بُعدها عن السماء عن بُعد غيرها منها بثمانية عشر ميلاً ، كما جاء ، ولعل ذلك سر كونها أرض الحشر ، وكون الإسراء وقع منها . قاله المحشي ، وقيل : دمشق ، وقيل : فلسطين ، والرملة . { ذات قرارٍ } مستقر من الأرض ، مستوية منبسطة ، سهلة ، أو ذات ثمار ، يستقر لأجل ثمارها ، ساكنوها فيها ، { ومَعِين } أي : ماء معين ، ظاهر ، جارٍ ، فقيل : من معن ، إذا جرى ، أو مدرك بالعين لظهوره من عانه إذا أدركه بعينه أو من الماعون وهو النفع لأنه نفاع لظهوره وجريه . والله تعالى أعلم . الإشارة : كان عيسى عليه السلام منقطعاً عن هذا العالم ، متبتلاً زاهداً ، لم يتخذ في هذه الدنيا قراراً ، ولم يبن فيها مسكناً ولا داراً ، فكان آية للعباد والزهاد من الرجال . كما أن أمه كانت آية للنساء العابدات ، في التبتل والانقطاع ، فآواهما إلى ربوة التقريب والاصطفاء ، ذات قرار وتمكين ومصافاة ووفاء ، وجعل ، جل جلاله ، أولياءه على قدم أنبيائه ، فمنهم على قدم نوح عليه السلام في القوة ونفوذ الهمة ، مهما دعا على أحد هلك . ومنهم على قدم إبراهيم عليه السلام في الشفقة والرحمة وعلو الهمة ، وتحقيق التوحيد ، وإمام أهل التفريد ، ومنهم على قدم موسى عليه السلام في المناجاة والمكالمة والقوة والعزم ، ومنهم على قدم عيسى عليه السلام في الزهد والانقطاع ، ومنهم على قدم نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - وهو الجامع لما افترق في غيره ، وهو قطب الدائرة ، نفعنا الله بهم جميعاً . ولما كان حل الانبياء بالشام التي هي ذات قرار وإنعام أمرهم بالأكل من ملك النعم