Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 63-67)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " بل " إضراب عما قبله من أوصاف المؤمنين ، وانتقال إلى أضدادهم من الكافرين ، والضمير للكفرة ، و " حتى " : ابتدائية مختصة بالدخول على الجُمل . يقول الحق جل جلاله : { بل قلوبُهم } أي : الكفرة المستدرج بهم ، وهم لا يشعرون ، { في غَمْرَةٍ } في غفلة غامرة لها ، مما عليه هؤلاء الموصوفون بما تقدم من الخشية وما بعده ، أو مما بيَّن في القرآن من أن لديه كتاباً ينطق بالحق ، ويُظهر لهم أعمالهم السيئة على رؤوس الأشهاد ، فيُفضحون بها ، كما ينبئ عنه ما بعده من قوله { قد كانت آياتي تتلى عليكم … } . { ولهم أعمال من دون ذلك } أي : ولهم أعمال خبيثة كثيرة ، متجاوزة لذلك الذي وصف به المؤمنون ، من الأعمال الصالحات ، وهي فنون كفرهم ومعاصيهم ، { هم لها عاملون } ، وعليها مقيمون ، مستمرون عليها ، حتى يأخذهم الله بالعذاب ، كما قال : { حتى إذا أخذنا مُتْرَفِيهم } أي : منعميهم { بالعذاب } أي : عذاب الدنيا ، وهو القحط سبع سنين ، حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ ، واجعلها عَلَيْهمَ سِنِينَ كَسِنيِّ يُوسُفَ " ، فقحطوا حتى أكلوا الكلاب والجيف والعظام . أو : القتل يوم بدر . والحق : إنه العذاب الأخروي إذ هو الذي يُفاجأون عنده بالجؤار ، فيجابون بالرد والإقناط عن النصر ، وأما عذاب يوم بدر فلم يوجد لهم عنده جؤار ، حسبما ينبئ عنه قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } [ المؤمنون : 76 ] فإنَّ المراد به ما جرى عليهم يوم بدر كما يأتي . وأما الجوع فإن أبا سفيان ، وإن تضرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يرد عليه بالإقناط ، بل دعا لهم فكشف عنهم . وقوله تعالى : { إذا هم يجأرون } أي : يصرخون استغاثة ، والجؤار : الصراخ باستغاثة . فيقال لهم : { لا تجأروا اليوم } فإن الجؤار غيرُ نافع لكم ، { إنكم منا لا تُنصرون } أي : لا يلحقكم من جهتنا نصرة تمنعكم مما دهمكم . { وقد كانت آياتي } القرآنية { تُتلى عليكم } في الدنيا ، { فكنتم على أعقابكم تَنكصُونَ } أي : ترجعون القهقرى ، وتعرضون عن سماعها أشد الإعراض فضلاً عن تصديقها والعمل بها والنكوص : الرجوع القهقرى وهي أقبح المشية لأنه لا يرى ما وراءه ، { مستكبرين به } ، الظاهر أن الضمير للقرآن لتقدم ذكر آياته ، والباء بمعنى " عن " أي : متكبرين عن سماعه والإذعان له ، أو سببية ، أي : فكنتم بسبب سماعه مستكبرين عن قبوله ، وعمن جاء به ، أو ضَمَّن مستكبرين معنى مُكذبين ، وقيل : يعود إلى البيت الحرام ، أو الحرم ، وأضمر ولم يذكر لأنه من السياق . والمعنى : أنهم يستكبرون بسبب المسجد الحرام لأنهم أهله وأهل ولايته ، وكانوا يقولون : لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم ، وقيل : تتعلق بالباء بقوله : { سامراً } أي : تسمرون بذكر القرآن والطعن فيه ، وكانوا يجتمعون حول البيت يسمرون ، وكان عامة سمرهم ذكر القرآن والطعن فيه ، وفي النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء به ، و " سامراً " : مفرد بمعنى الجمع ، وقرئ سُمَّاراً ، { تهجرون } ، إما من الهَجر بالفتح ، بمعنى الهذيان ، أي : تهذون في شأن القرآن كما يهذو الحالم أو السكران . أو من الترك ، أي : تتركونه وتفرون منه ، أو تهجرون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، أو من " الهجر " بالضم ، وهو الفحش ، ويؤيده قراءة من قرأ : " تُهجِرون " ، من أهجر في منطقة : إذا أفحش . والله تعالى أعلم . الإشارة : من كان قلبه في غمرة حظوظه وهواه ، عاكفاً على جمع دنياه ، لا يطمع في دخول حضرة مولاه ، ولو صلى وصام ألف سنة . قال القشيري : لا يَصلُحُ لهذا الشأنِ إلا من كان فارغاً من الأعمال كلها ، لا شغلَ له في شأن الدنيا والآخرة ، فأمَّا من شُغل بدنياه ، وعلى قلبه حديثٌ من عقباه ، فليس له نصيبٌ من حديث مولاه . هـ . وفي الحديث : " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهمَا كَثِيرٌ مِنَ الناس : الِّصحَّةُ والفَرَاغُ " . ثمَّ أمر بالتدبر والنظر لعلة يقع التيقظ .