Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 75-77)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضُرّ } ، كقحط وجدب ، { لَلَجُّوا } : لتمادَوا { في طغيانهم } : إفراطهم في الكفر والعتو والإستكبار وعداوة الرسول - عليه الصلاة والسلام - والمؤمنين ، { يعمهون } : يترددون عامهين عن الهدى . قال ابن عباس : لما أَسْلَمَ ثُمَامَةُ بن أَثالٍ الحنفي ، ورجع إلى اليَمَامَةِ ، مَنَعَ المِيرَةَ عَنْ أَهْلِ مَكَّة ، وَأَخَذَهُمُ الله تعالى بالسنين حَتَّى أَكلَّوا العِلْهِزَ ، جَاءَ أبو سُفْيانَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال له : أَنْشدُك الله والرَّحِمَ ، ألسْتَ تزعمُ أَنّك بُعثْتَ رَحْمَة للعالَمين ؟ قال : بَلَى ، قال : قتلتَ الآباءَ بالسَّيف ، والأبنَاءَ بالجوعِ ، فنزلت . قال ابن جُزي : وفيه نظر فإن الآية مكية باتفاق ، وإنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بعد الهجرة ، حسبما ورد في الحديث . هـ . قلت : والتحقيق : أن القحط نزل بهم مرتين ، أحدهما قبل الهجرة ، حين دعا عليهم - صلى الله عليه وسلم - بقوله : " اللهم أَعنِّي عليهم بسبع كسبع يوسف " ، فأخذتهم سَنَةٌ حصدت كل شيء ، حتى أكلوا الميتة والعظام ، وكانوا يرون كهيئة الدخان من الجوع ، فجاء أبو سفيان فقال : يا محمد ، جئت تأمر بصلة الرحم ، وإن قومك قد هلكوا ، فادعُ الله يغيثنا ، فدعا لهم … الحديث . وفيه نزل الله تعالى : { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } [ الدخان : 10 ] الآية ، وقوله هنا : { ولو رحمناهم وكشفنا … } الآية . ومرة أخرى بالمدينة حين استغاثوا به عليه السلام وهو يخطب ، ولعله هو الذي ذكره ابن عباس في إسلام ثمامة ، ولعل قوله : " فنزلت الآية " سهو لأنها نزلت قبل الهجرة ، إلاّ أن تكون الآية مدنية في السورة المكية ، وقول ابن جزي : " دعا عليهم بعد الهجرة " ، التحقيق ، أنه دعا عليهم قبلُ وبعدُ . والله أعلم . والمعنى : لو رحمناهم ، وكشفنا ما بهم من القحط والهزال برحمتنا إياهم ، ووجدوا الخصب ، لارتدوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والاستكبار ، ولذهب عنهم هذا الخلق والتعلق بك ، وهذا كقوله تعالى في الدخان : { إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } [ الدخان : 15 ] ، قيل : المراد بالضر : العذاب الأخروي ، فيكون كقوله : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] . { ولقد أخذناهم بالعذاب } ، وهو ما أصابهم يوم بدر من القتل والأسر ، وهو قوله - تعالى - في الدخان { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } [ الدخان : 16 ] . { فما استكانُوا لربهم } بذلك ، أي : لم يخضعوا ولم يتذللوا . و " استكانوا " : افتعل من السكون ، والألف زائدة ، أو استفعل من الكون ، أي : انتقل من كون إلى كون ، كاستحال ، إذا انتقل من حالٍ إلى حال لأن الخاضع ينتقل من كون إلى كون { وما يتضرعون } أي : وليس من حالهم التضرع إليه تعالى ، وعبَّر بالمضارع ، ليدل على الاستمرار ، أي : ليس شأنهم التضرع في هذه الحالة وغيرها ، أو : فما استكانوا فيما مضى ، وما يتضرعون فيما ينزل بهم في المستقبل ، والمعنى : تالله لقد أخذناهم بالعذاب ، وقتلناهم بالسيوف ، وما جرى عليهم يوم بدر من قتل صناديدهم ، فما وُجدت ، بعد ذلك ، منهم استكانة ولا تضرع . { حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذابٍ شديد } ، وهو عذاب الآخرة ، { إذا هم فيه مبلسون } : متحيرون آيسون من كل خير ، وهذا هو الصواب من حمل العذاب على عذاب الآخرة ، بدليل وصفه بالشدة والإياس . والله تعالى أعلم . الإشارة : أهل الغفلة والبُعد لا يرجعون إلى الله في السراء ولا في الضراء لانهماكهم في الغفلة والقساوة ، وأهل اليقظة يرجعون إلى الله في السراء والضراء ، في السراء بالحمد والشكر ، وفي الضراء بالصبر والرضا والتسليم ، مع التضرع والابتهال عبوديةً ، والمقتصدون يرجعون إليه - تعالى - في الضراء ، ويغفلون عن الشكر في السراء ، والأول ظالم لنفسه ، والثاني سابق ، والثالث مقتصد . وبالله التوفيق . ثم ذكر دلائل قدرته تعالى - وفي ضمنه استدعاؤهم إلى الرجوع لله تعالى :