Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 11-11)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : عُصْبة : خبر " إن " ، ولا تحسبوه : استئناف . يقول الحق جل جلاله : { إن الذين جاؤوا بالإِفْكِ } وهو أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء ، وقيل : هو البهتان لا تشعر به حتى يفاجئك . والمراد : مَا أُفِك على الصديقة عائشة - رضي الله عنه - ، وفي لفظ المجيء إشارة إلا أنهم أظهروه من عند أنفسهم من غير أن يكون له أصل . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقْرَعَ بين نسائِه ، فأيَّتهُنَّ خرجت قُرعتها استصحبها ، قالت عائشة - رضي الله عنها - : فأقرعَ بيننا في غزوةٍ غزاها - قيل : هي غزوة بني المصطلق ، وتُسمى أيضاً : غزوة المريسيع ، وفيها أيضاً نزل التيمم - فَخَرّج سهمي ، فخرجتُ معه صلى الله عليه وسلم بعد نزول آية الحجاب ، فحُملت في هودج ، فسرنا حتى إذا قفلنا ودنونا من المدينة نزلنا منزلاً ، ثم نُودي بالرحيل ، فقمتُ ومشيتُ حتى جاوزتُ الجيش ، فلما قضيتُ شأني أقبلتُ إلى رَحْلي ، فلمسْتُ صدري فإذا عِقْدٌ لي مِنْ جَزْعِ أظفارٍ قد انقطعَ ، فرجعتُ فالتمسته ، فحبسني التماسه . وأقبل الرَّهطُ الذين كانوا يرحلوني ، فاحتملوا هَوْدَجِي فرحلوه على بعيري ، وهم يحسبون أنِّي فيه لخفتي ، فلم يستنكروا خفة الهودج ، وذهبوا بالبعير ، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس فيه داعٍ ولا مجيب ، فتيممت منزلي ، وظننت أن سيفقدونني ويعودُون في طَلَبي ، فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني ، فنمت ، وكان صَفْوَانُ بن المعطِّل قد عرّس من وراء الجيش ، فأدْلَجَ فأصبح عند منزلي ، فلما رآني عرفني ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاسترجع ، فاستيقظت باسترجاعه ، فخَمَّرْتُ وجهي بجلبابي ، والله ما تكلمنا بكلمة ، ولا سمعتُ منه كلمة ، غير استرجاعه ، فأناخ راحلته ، فوطئ على يدها ، فقمت إليها فركبتها ، وانطلق يقود بي الراحلة ، حتى أتينا الجيش مُوغرين في نَحْرِ الظهيرة ، وهم نزول ، وافْتَقَدني الناسُ حين نَزَلُوا ، وماج الناس في ذِكْرِي ، فبينما الناس كذلك إذ هَجَمْتُ عليهم ، فخَاضَ الناس في حديثي ، فهلك مَنْ هلك . والحديث بطوله مذكور في الصحيحين والسّيَر . وقوله تعالى : { عُصْبَةٌ منكم } أي : جماعة من جلدتكم ، والعصبة : من العشرة إلى الأربعين ، وكذا العصابة ، يقال : اعصوصبَوا : اجتمعوا . وهم عبد الله بن أُبّي رأس المنافقين ، وزيد بن رفاعة ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ، ومن ساعدهم . واختلف في حسان بن ثابت ، فمن قال : كان منهم ، أنشد البيت المروي في شأنهم ممن جلدوا الحد : @ لَقَدْ ذَاقَ حَسَّانُ الذي هُو أَهْلُهُ وَحِمْنَةُ إذ قالا هجَيْراً ، وِمسْطَحُ @@ ومن برَّأ حَسان من الإفك قال : إنما الرواية في البيت : لقد ذاق عبد الله ما كان أهله ، والمشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد عبد الله بن أُبّي ، حين حدّ الرامين لعائشة ، تأليفاً له قال البرماوي في حاشيته علىالبخاري في فوائد حديث الإفك : وفيه ترك الحد لما يخشى من تفريق الكلمة ، كما ترك عليه الصلاة والسلام حدّ ابن سلول . هـ . وقد رَوى ابن عبد البر أن عائشة برأت حسان من الفرية ، وقد أنكر حسانُ أن يكون قال فيها شيئاً في أبياته ، التي من جملتها : @ حَصَانُ رَزَانٌ ما تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وتُصْبحُ غَرْثَى من لُحُوم الْغَوافِلِ @@ إلى أن قال : @ فَإنْ كان ما بُلِّغْتَ عَنِّي قُلْتُه فَلاَ رَفَعَتْ سَوْطِي إليَّ أَنامِلي @@ ويجمع بين قوله هنا ذلك ، وبين قولها له عند قوله : وتُصْبِحُ غَرْثَى من لُحُوم الْغَوافِلِ : " لكنك لست كذلك " بأنه لم يقل نصاً وتصريحاً ، ولكن عرّض وأومأ ، فنُسب ذلك إليه . والله أعلم أيُّ ذلك كان . ثم قال تعالى : { لا تحسَبُوه شَرَّا لكم } ، والخطاب للرسول - عليه الصلاة والسلام - ، وأبي بكر ، وعائشة ، وصفوان تسلية لهم من أول الأمر ، { بل هو خيرٌ لكم } لاكتسابكم به الثواب العظيم ، وظهور كرامتكم على الله عز وجل بإنزال القرآن الذي يُتلى إلى يوم الدين في نزاهة ساحتكم وتعظيم شأنكم ، وتشديد الوعيد فيمن تكلم فيكم ، والثناء على من ظن خيراً بكم ، مع ما فيه من صدق الرُّجْعَى إلى الله ، والافتقار إليه ، والإياس مما سواه . ثم ذكر وبال من وقع فيها بقوله : { لكل امرىءٍ منهم } أي : من أولئك العصبة { ما اكتسبَ من الإثم } أي : له من الجزاء بقدر ما خاض فيه ، وكان بعضهم ضحك ، وبعضهم تكلم ، وبعضهم سكت . { والذي تولى كِبْرَهُ } أي : معظمه وجُله { منهم } أي : من العصبة ، وهو عبد الله بن أُبَيّ { له عذابٌ عظيم } في الآخرة ، إن كان كافراً ، كابن أُبّي ، وفي الدنيا إن كان مؤمناً ، وهو الحد وإبطال شهادتهم وتكذيبهم . وقد رُوي أن مسطح كُف بصره ، وكذلك حسان ، إن ثبت عنه الخوض فيه ، والله تعالى أعلم . الإشارة : كلام الناس في أهل الخصوصية مَقَاذِفُ لسير سفينتهم ، ورياح لها ، فكلما قوي كلام الناس في الولي قَوِيَ سَيْرُهُ إلى حضرة ربه ، حتى تمنى بعضهم أن يكون غابة والناس فيه حَطاَّبَة . وفي الحِكَم : " إنما أجرى الأذى عليهم كي لا تكون ساكناً إليهم ، أراد أن يُزْعِجَكَ عن كل شيء حتى لا يَشْغَلَكَ عنه شيء " . والحق تعالى غيور على قلوب أصفيائه ، لا يحب أن تركن إلى غيره ، فمهما ركنت إلى شيء شوش ذلك عليه ، كقضية سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام مع ابنه حين أمر بذبحه ، وكقضية سيدنا يعقوب عليه السلام مع ابنه حين غيّبه عنه . وكانت عائشة رضي الله عنها - قد استولى عليها حبه - عليه الصلاة والسلام - ، فكادت تحجب بالواسطة عن الموسوط ، فردها إليه تعالى بما أنزل بها ، تمحيصاً وتخليصاً وتخصيصاً ، حتى أفردت الحق تعالى بالشهود ، فقالت : بحمد الله ، لا بحمد أحد . وكذا شأنه تعالى مع أحبائه يردهم إليه بما يوقع بهم من المحن والبلايا حتى لا يكونوا لغيره . وبالله التوفيق . ثم وبخّ الخائضين في حديث الإفك ، فقال : { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ … }