Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 14-18)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : لولا هنا : امتناعية بخلاف المتقدمة فإنها تحضيضية ، وإذ سمعتموه : معمول لقُلتم ، وإذْ تلقونه : ظرف لمسَّكم . يقول الحق جل جلاله : { ولولا فضلُ الله عليكم } أيها السامعون { ورحمتُهُ في الدنيا } من فنون النِعَم ، التي من جملتها : الإمهال والتوبة ، { و } في { الآخرةِ } من ضروب الآلاء ، التي من جملتها : العفو والمغفرة ، { لمسَّكم } عاجلاً { فيما أفَضْتُم } أي : بسبب ما خضتم { فيه } من حديث الإفك { عذابٌ عظيمٌ } يُستحقر دونه التوبيخ والجَلْدُ ، يقال أفاض في الحديث ، وفاض ، واندفع : إذا خاض فيه . { إذْ تلقَّوْنه } أي : لمسكم العذاب العظيم وقت تلقيه إياكم من المخترعين له ، يقال : تلقى القول ، وتلقنه ، وتلقفه ، بمعنى واحد ، غير أن التلفق : فيه معنى الخطف والأخذ بسرعة ، أي : إذ تأخذونه { بألسنتكم } بأن يقول بعضُكم لبعض : هل بلغك حديث عائشة ، حتى شاع فيما بينكم وانتشر ، فلم يبق بيت ولا نادٍ إلا طار فيه . { وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علمٌ } أي : قولاً لا حقيقة له ، وقيّده بالأفواه ، مع أن الكلام لا يكون إلا بالفم لأن الشيء المعلوم يكون في القلب ، ثم يترجم عنه اللسان ، وهذا الإفك ليس إلا قولاً يدور فيه الأفواه ، من غير ترجمة عن علم به في القلب . { وتحسبونه هيِّناً } أي : وتظنون أن خوضكم في عائشة سَهْلٌ لا تبعة فيه ، { وهو عند الله عظيم } أي : والحال أنه عند الله كبير ، لا يُقادر قدره في استجلاب العذاب . جزع بعض الصالحين عند الموت ، فقيل له في ذلك ، فقال : أخاف ذنباً لم يكن مني على بال ، وهو عند الله عظيم . { ولولا إذْ سَمِعْتُموه } من المخترعين والشائعين له { قُلتم ما يكونُ لنا } ما يمكننا { أن نتكلَّمَ بهذا } ، وما ينبغي أن يصدر عنا ، وتوسيط الظروف بين " لولا " و " قلتم " إشارة إلى أنه كان الواجب أن يُبادروا بإنكار هذا الكلام في أول وقت سمعوه ، فلما تأخر الإنكار وبَّخهم عليه ، فكان ذكرُ الوقت أَهَمَّ ، فقدّم ، والمعنى : هلاَّ قُلتم إذ سمعتم الإفك : ما يصح لنا أن نتكلم بهذا ، { سبحانك } تنزيهاً لك ، وهو تعجبٌ مِنْ عِظَمِ ما فاهوا به . ومعنى التعجب في كلمة التسبيح : أن الأصل أن يسبح الله عند رؤية العجيب من صنائعه تعالى ، ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه . أو : تنزيهاً لك أن يكون في حرم نبيك فاجرة ، { هذا بهتانٌ عظيم } لعظمة المبهوت عليه ، واستحالة صدقه ، فإنَّ حقارة الذنوب وعظمتها باعتبار متعلقاتها . وقال فيما تقدم : { هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } [ النور : 12 ] . ويجوز أن يكونوا أُمروا بهما معاً ، مبالغة في التبري . { يَعِظُكُمُ الله } أي : ينصحكم { أن تعودوا لمثله } أي : كراهة أن تعودوا ، أو يزجركم أن تعودوا لمثل هذا الحديث أو القذف أو الاستماع ، { أبداً } مدة حياتكم ، { إن كنتم مؤمنين } فإن الإيمان وازع عنه لا محالة . وفيه تهييج وتقريع وتذكير بما يوجب ترك العود ، وهو الإيمان الصادُّ عن كل قبيح . { ويُبيِّن الله لكم الآياتِ } الدالة على الشرائع ومحاسن الأدب ، دلالة واضحة لتتعظوا وتتأدبوا ، أي : ينزلها كذلك ظاهرة مبينة ، { والله عليمٌ حكيمٌ } عليم بأحوال مخلوقاته ، حكيم في جميع تدابيره وأفعاله ، فَأَنَّى يصحُّ ما قيل في حرمة من اصطفاه لرسالته ، وبعثه إلى كافة الخلق ، ليرشدهم إلى الحق ، ويزكيهم ويطهرهم تطهيراً ؟ والله تعالى أعلم . الإشارة : الكلام في الأولياء سم قاتل لأن الله ينتصر لأوليائه لا محالة ، فمنهم من ينتصر لهم في الدنيا بإنزال البلايا والمحن في بدنه أو ولده أو ماله ، ومنهم من يؤخر عقوبته إلى الآخرة ، وهو أقبح . ومنهم من تكون عقوبته دينية قلبية كقساوة القلب وجمود العين ، وتعويق عن الطاعة ، ووقوع في ذنب ، أو فترة في همة ، أو سلب لذاذة خدمة أو معرفة ، وهذه أقبح العقوبة ، والعياذ بالله . ثم أوعد من كان يشيع حديث الإفك ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ … }