Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 27-29)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم } أي : بيوتاً لستم تملكونها ولا تسكنونها ، { حتى تستَأْنسوا } تسأذنوا ، وقُرىءَ به ، والاستئناس : الاستعلام ، والاستكشاف ، استفعال ، من أنَس الشيء : أبصره ، فإن المستأذن مستعلم للحال ، مستكشف له ، هل يؤذن له أم لا ، ويحصل بذكر الله جهراً ، كتسبيحة أو تكبيرة . أو تَنَحْنُحٍ ، { وتُسلِّموا على أهلها } ، بأن يقول : السلام عليكم ، أَأَدْخُلُ ؟ ثلاث مرات ، فإذا أُذن له ، وإلا رجع ، فإن تلاقيا ، قدّم التسليم ، وإلا ، فالاستئذان . { ذلكم } أي : التسليم { خيرٌ لكم } من أن تدخلوا بغتة ، أو من تحية الجاهلية . كان الرجل منهم إذا أراد أن يدخل بيتاً غير بيته يقول : حُييتم صباحاً ، حييتم مساءاً ، فربما أصاب الرجلَ مع امرأته في لحاف . رُوي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أَأَسْتأذنُ على أمي ؟ قال : " نَعَم " قال : ليس لها خادم غيري ، أأستأذن عليها كلما دَخَلْتُ ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " أتحُبُّ أن تراها عريانة … ؟ " { لعلكم تذكَّرون } أي : أمرتكم به ، أو : قيل لكم هذا لكي تتعظوا وتعملوا بموجبه . { فإن لم تجدوا فيها } في البيوت { أحداً } ممن يستحق الإذن ، من الرجال البالغين وأما النساء والولدان فوجودهم وعدمهم سواء ، { فلا تدخلوها } ، على أن مدلول الآية هو النهي عن دخول البيوت الخالية لما فيه من الاطلاع على ما يعتاد الناس إخفاءه ، وأما حرمة دخول ما فيه النساء والولدان فمن باب الأولى لما فيه الاطلاع على الحريم وعورات النساء . فإن لم يُؤذن لكم فلا تدخلوا ، واصبروا { حتى يُؤْذَنَ لكم } من جهة من يملك الإذن ، أو : فإن لم تجدوا فيها أحداً من أهلها ، ولكم فيها حاجة فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها لأن التصرف في ملك الغير لا بد أن يكون برضاه . { وإن قيل لكم ارجِعُوا } أي : إذا كان فيها قوم ، وقالوا : ارجعوا { فارجعوا } ولا تُلحُّوا في طلب الإذن ، ولا تقِفُوا بالأبواب ، ولا تخرقوا الحجاب لأن هذا مما يُوجب الكراهية والعداوة ، وإذا نهى عن ذلك لأدائه إلى الكراهية وجب الانتهاء عن كل ما أدى إليها من قرع الباب بعنف ، والتصييح بصاحب الدار ، وغير ذلك . وعن أبي عبيد : " ما قرعت باباً على عالم قط " . فالرجوع { هو أزْكَى لكمْ } أي : أطيب لكم وأطهر لِمَا فيه من سلامة الصدور والبُعد عن الريبة ، والوقوفُ على الأبواب من دنس الدناءة والرذالة . { والله بما تعملون عليم } فيعلم ما تأتون وما تذرون مما كلفتموه ، فيجازيكم عليه . وهو وعيد للمخاطبين . { ليس عليكم جُنَاحٌ } في { أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونةٍ } أي : غير موضوعة لسكنى طائفة مخصوصة ، بل يتمتع بها مَنْ يُضطر إليها ، من غير أن يتخذها مسكناً كالرُّبَطِ ، والخانات ، والحمامات ، وحوانيت التجار . { فيها متاعٌ لكم } أي : منفعة كاستكنانٍ من الحر والبرد ، وإيواء الرجال والسلع ، والشراء والبيع ، والاغتسال ، وغير ذلك ، فلا بأس بدخولها بغير استئذان . روي أن أبا بكر رضي الله عنه قال : يا رسول الله ، إن الله قد أنزل عليك آية في الاستئذان ، وإنا لنختلِفُ في تجارتنا إلى هذه الخانات ، فلا ندخلها إلا بإذن ؟ فنزلت . وقيل : هي الخرابات ، يُتَبَرَّزُ فيها ، ويقضون فيها حاجتهم من البول وغيره ، والظاهر : أنها من جملة ما ينتظم في البيوت ، لا أنها المرادة فقط . { والله يعلم ما تُبدون وما تكتمون } ، وعيد لمن يدخل مدخلاً من هذه المداخل لفسادٍ أو اطلاعٍ على عورات . والله تعالى أعلم . الإشارة : التصوف كله آداب ، حتى قال بعضهم : اجعل عملك مِلْحاً وأدبك دقيقاً . فيتأدبون بالسُنَّة في حركاتهم وسكناتهم ، ودخولهم وخروجهم ، فهم أَولى بالأدب ، فيستأذنون كما أمر الله عند دخول منزلهم برفع صوتهم بذكر الله ، أو بالتسبيح ، أو بالسلام قبل الدخول . وكذا عند دخول منزل غيرهم ، أو منزل بعضهم بعضاً . وأما مع الشيخ : فالأدب هو الصبر حتى يخرج ، تأدباً بقوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } [ الحجرات : 5 ] ، فلا يقرعون بابه ، ولا يطلبون خروجه إلا لضرورة فادحة . ولمّا كان الاستئذان إنما شرع من أجل النظر ، أمر بغض البصر ، فقال : { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ … }