Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 53-54)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : جهد : مصدر مؤكد لفعله ، الذي هو حيز النصب على الحال ، من فاعل " أقسموا " ، ومعنى جَهْدِ اليمين : بلوغ غايتها بطريق الإستعارة ، من قولهم : جهد نفسه : إذا بلغ أقصى وسعها وطاقتها . وأصل أقسم جهد اليمين : أقسم بجهدِ اليمين جَهداً ، فحذف الفعل وقدم المصدر ، فوضع موضعه مضافاً إلى المفعول ، كقوله : { فَضَرْبَ الرِّقَابِ } [ محمد : 5 ] وحكم هذا المنصوب حكم الحال ، كأنه قال : أقسموا جاهدين أيمانهم . وطاعة : مبتدأ حذف خبره ، أي : طاعة معروفة أولى من تسويفكم ، أو : خبر عن محذوف ، أي : الذي يطلب منكم طاعة معروفة . يقول الحق جل جلاله : { وأَقْسَموا } أي : المنافقون { بالله جَهْدَ أَيمانهم } أي : بلغوا فيها غاية وسعهم ، بأن حلفوا بالله . وعن ابن عباس رضي الله عنه : من حلف بالله فقد جهد يمينه ، { لئن أمرتهم ليخرجُنَّ } أي : قالوا : لئن أمرنا محمد بالخروج للغزو ، أو من ديارنا وأموالنا ، لخرجنا . وحيث كانت مقالتهم هذه كاذبة ويمينهم فاجرة أمر عليه الصلاة والسلام - بردها حيث قيل : { قل لا تُقسموا } أي : قل رداً عليهم ، وزجراً عن التفوه بها : لا تحلفوا وأنتم كاذبون ، { طاعةٌ معروفة } ، تعليل للنهي ، أي : لا تُقسموا على ما تدعون من الطاعة لأن طاعتكم طاعة نفاقية ، معروفة بالنفاق ، واقعة باللسان فقط من غير مواطأة للقلب . وإنما عبّر عنها بمعروفة للإيذان بأن كونها نفاقية مشهور معروف لكل أحد . وحملها على الطاعة الحقيقية ، على حذف المبتدأ أو الخبر ، مما لا يساعده المقام . انظر أبا السعود . قال القشيري : طاعة في الوقت أولى من تسويفٍ في الوعد ، ولا تعِدُوا بما هو معلوم أنكم لا تفوا به . هـ . وقال النسفي : طاعة معروفة أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الفاجرة . أو : الذي يطلب منكم طاعة معروفة معلومة لا يُشك فيها ولا يُرتاب ، كطاعة الخُلص من المؤمنين ، لا أيمان تقسمونها بأفواهكم ، وقلوبُكُم على خلافها . هـ . { إن الله خبير بما تعملون } من الأعمال الظاهرة والباطنة ، التي من جملتها ما تظهرونه من الأكاذيب المؤكدة بالأيمان الفاجرة ، وما تضمرونه في قلوبكم من الكفر والنفاق ، والعزيمة على مخادعة المؤمنين ، وغيرها من فنون الفساد . { قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسولَ } ، أُمِر - عليه الصلاة والسلام - بتبليغ ما خاطبهم الله به ، وصرف الكلام عن الغيبة إلى الخطاب ، وهو أبلغ في تبكيتهم ، { فإِن تولَّوا } - بحذف إحدى التاءين بدليل قوله : { وعليكم } أي : فإن تُعرضوا عن الطاعة إثر ما أمرتكم بها { فإِنما عليه ما حُمِّلَ } من التبليغ وقد بلَّغَ ، { وعليكم ما حُمِّلتم } من التلقي بالقبول والإذعان . والمعنى : فإن تعرضوا عن الإيمان فما ضررتم إلا أنفسكم ، فإن الرسول ليس عليه إلا ما حمله الله تعالى من أداء الرسالة ، فإذا أدى فقد خرج عن عهدة تكليفه . وأما أنتم فعليكم ما كلفتم ، أي : ما أمرتم به من الطاعة والإذعان ، فإن لم تفعلوا وتوليتم فقد عرَّضتم نفوسكم لسخط الله وعقوبته . قال القشيري : قل يا محمد : أطيعوا الله ، فإن أجابوا ، سعدوا في الدارين ، وإنما أحسنوا لأنفسهم . وإن تولوا فما أضروا إلا بأنفسهم ، ويكون اللوم في المستقبل عليهم ، وسوف يلقون سوء عواقبهم . هـ . { وإن تُطيعوه } فيما أمركم به من الهدى { تهتدوا } إلى الحق ، الذي هو المقصد الأصلي الموصل إلى كل خير ، والمنجي من كل شر ، { وما على الرسول إلا البلاغُ المبين } الموضح لكل ما يحتاج إلى الإيضاح ، أو : البيِّن الوضوح لكونه مقروناً بالآيات والمعجزات المتواترة . والجملة مقررة لما قبلها من أن غائلة التولي وفائدة الإطاعة مقصورتان عليهم . واللام : إما للجنس المنتظم فيه - عليه الصلاة والسلام - انتظاماً أولياً ، أو للعهد ، أي : ما على جنس الرسول كائناً من كان ، أو ما عليه - عليه الصلاة والسلام - إلا التبليغ الواضح . وبالله التوفيق . الإشارة : ترى بعض الناس يُقسمون بالله جهد أَيْمَانهم : لئن ظهر شيخ التربية وأمرهم بالخروج عن أموالهم وأنفسهم ليخرجن ، فلما ظهر تولوا وأعرضوا ، فيقال لهم : فإن تولوا فإنما عليه ما حُمِّل من الدلالة على الله ، والتعريف به ، وعليكم ما حُملتم من الدخول تحت تربيته ، وإن تُطيعوه تهتدوا إلى معرفة الله بالعيان ، وما على الرسول إلا البلاغ المبين . ثم وعد أهل الإخلاص بالنصر والتمكين ، فقال : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … }