Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 17-19)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " اتخذ " قد يتعدى إلى مفعول واحد ، كقوله : { أَمِ اْتَّخَذُوا ءَالِهَةً } [ الأنبياء : 8 ] ، وقد يتعدى إلى مفعولين ، كقوله : { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } [ النساء : 125 ] فقرأ الجمهور : أن نَتَّخِذَ بالبناء لفاعل . وقرأ الحسن وأبو جعفر بالبناء للمفعول . فالقراءة الأولى على تعديته لواحد ، والثانية على تعديته لاثنين . فالأول : الضمير في نتخذ ، والثاني : من أولياء . و مِن : للتبعيض ، أي : ما ينبغي لنا أن نتخذ بعضَ أولياءٍ من دونك لأن " من " لا تزاد في المفعول الثاني ، بل في الأول ، تقول : ما اتخذت من أحد وليّاً ، ولا تقول : ما اتخذت أحداً من ولي . وأنكر القراءة أبو عمرُو بن العلاء وغيره ، وهو محجوج لأن قراءة أبي جعفر من المتواتر . يقول الحق جل جلاله : { و } اذكر { يوم نحشرهم } ، أو : يوم يحشرهم الله جميعاً للبعث والحساب ، يكون ما لا تفي به العبارة من الأهوال الفظيعة والأحوال الغريبة ، فيحشرهم { وما يعبدون من دون الله } من الملائكة والمسيح وعزير . وعن الكلبي : الأصنام يُنطقها الله ، وقيل : عام في الجميع . وما : يتناول العقلاء وغيرهم لأنه أريد به الوصف ، كأنه قيل : ومعبودهم . { فيقول } الحق جل جلاله للمعبودين ، إثر حشر الكل تقريعاً للعَبَدة وتبكيتاً : { أأنتم أَضْلَلْتُمْ عبادِي هؤلاء } ، بأن دعوتموهم إلى عبادتكم ، { أم هم ضلُّوا السبيل } أي : عن السبيل بأنفسهم بإخلالهم بالنظر الصحيح ، وإعراضهم عن الرشد . وتقديم الضميريْن على الفعلين بحيث لم يقل : أضللتم عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل لأن السؤال ليس عن نفس الفعل ، وإنما هو عن متوليه والمتصدي له ، فلا بد من ذكره ، وإيلائه حرف الاستفهام ليعلم أنه المسؤول عنه . وفائدة سؤالهم ، مع علمه تعالى بالمسؤول عنه لأن يجيبوا بما أجابوا به حتى يُبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم ، فتزيد حسرتهم . { قالوا } في الجواب : { سبحانك } تعجيباً مما قيل ، لأنهم إما ملائكة معصومون ، أو جمادات لا تنطق ولا قدرة لها على شيء ، أو : قصدوا به تنزيهه عن الأنداد ، ثم قالوا : { ما كان ينبغي لنا } أي : ما صح وما استقام لنا { أن نتخذ من دونك } أي : متجاوزين إياك ، { من أولياء } نعبدهم لِمَا قام بنا من الحالة المنافية له ، فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ أن نحمل غيرنا على أن يتخذوا غيرك ، فضلاً أن يتخذونا أولياء ، أو : ما كان يصح لنا أن نتولى أحداً دونك فكيف يصح لنا أن نحمل غيرنا أن يتولونا دونك حتى يتخذونا أرباباً من دونك ، { ولكن متَّعتهم وآباءهم } بالأموال والأولاد وطول العمر ، فاستغرقوا في الشهوات ، وانهمكوا فيها { حتى نَسُوا الذّكر } أي : غفلوا عن ذكرك ، وعن الإيمان بك ، واتباع شرائعك فجعلوا أسباب الهداية من النعم والعوافي ذريعة إلى الغواية . { وكانوا } في قضائك وعلمك الأزلي ، { قوماً بوراً } هالكين ، جمع : بائر ، كعائذ وعوذ . ثم يقال للكافر بطريق الالتفات : { فقد كَذَّبوكم بما تقولون } ، وهو احتجاج من الله تعالى على العبدة مبالغة في تقريعهم وتبكيتهم على تقدير قول مرتب على الجواب ، أي : فقال الله جل جلاله عند ذلك للعبدة : فقد كذبكم المعبودون أيها الكفرة ، { بما تقولون } أي : في قولكم : هؤلاء أضلونا . والباء بمعنى " في " ، وعن قنبل : بالياء ، والمعنى : فقد كذبوكم بقولهم : { سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } ، والباء حينئذٍ كقولك : كتبت بالقلم . { فما يستطيعون } فما يملكون { صَرْفاً } دفعاً للعذاب عنكم { ولا نصراً } أي : فرداً من أفراد النصر . والمعنى : فما تستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب أو ينصروكم . وعن حفص بالتاء ، أي : فما تستطيعون أنتم أيها الكفرة صرفاً للعذاب عنكم ، ولا نصر أنفسكم . ثم خاطب المكلَّفين على العموم فقال : { ومن يَظْلِمْ منكم } يشرك بدليل قوله : { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] لأن الظلم : وضع الشيء في غير محله ، ومن جعل المخلوق شريكاً لخالقه فقد ظلم ظلماً عظيماً . أي : ومن يظلم منكم أيها المكلفون ، كدأب هؤلاء الكفرة ، حيث ركبوا متن المكابرة والعناد ، واستمروا على الملاججة والفساد ، { نُذقْهُ } في الآخرة { عذاباً كبيراً } لا يقادر قدره ، وهو الخلود في النار ، والعياذ بالله . الإشارة : كل من عشق شيئاً وأحبه من دون الله فهو عابد له ، فرداً أو متعدداً ، فيُحشر معه يوم القيامة ، فيقال لهم : أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء ، أم هم ضلوا السبيل ؟ فيتبرؤون منهم ، ويقولون : بل متعتهم بالدنيا ، وألهيتهم عن الذكر والتفكر والاعتبار ، أو عن الشهود والاستبصار ، حتى نسوا ذكر الله وكانوا قوماً بوراً . وقد ورد : أن الدنيا تُبعث يوم القيامة على هيئة عجوز شمطاء زرقاء ، فتنادي : أين أولادي ؟ فيجمعون لها كرهاً ، فتقدمهم ، فتوردهم النار . وقوله تعالى : { ومن يظلم منكم } أي : يخرج عن حد الاستقامة في العبودية ، وشهود عظمة الربوبية ، نُذقه عذاباً كبيراً ، وهو ضرب الحجاب على سبيل الدوام ، إلا وقتاً مخصوصاً مع العوام . وبالله التوفيق . ثمَّ أجاب الحق تعالى عن قول الكفرة { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ } إلخ ، فقال : { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ … }