Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 37-40)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : وقوم : منصوب بمضمر يدل عليه دمرناهم ، أي : ودمرنا قوم نوح ، و عاداً وثموداً : عطف على قوم نوح . يقول الحق جل جلاله : { و } دمرنا أيضاً { قومَ نوحٍ } ، وذلك أنهم { لمَّا كذَّبوا الرسلَ } نوحاً ، ومن قبله شَيْثاً وإدريس ، أو : لأن تكذيبهم لواحد تكذيب للجميع لاتِّفَاقِهمْ على التوحيد والإسلام ، { أغرقناهم } بالطوفان ، { وجعلناهم } أي : وجعلنا إغراقهم أو قصتهم { للناس آية } : عبرة يعتبر بها كل من يشاهدها أو يسمعها . { وأَعْتَدنا } هيأنا { للظالمين } أي : لهم . وأظهر في موضع الإضمار للإيذان بتجاوزهم الحد في الظلم ، أو لكل ظالم ظلم شرك ، فيدخل كل من شاركهم ، كقريش وغيرهم ، أي : هيأنا { عذاباً أليماً } ، أي : النار المؤبدة عليهم . { و } دمرنا أيضاً { عاداً وثموداً } ، وقد تقدم في الأعراف ، وهو كيفية تدميرهم . { وأصحابَ الرَّسّ } ، هم قوم شعيب قال ابن عباس : أصحاب الرسّ : أصحاب البئر . قال وهب : كانوا أهل بئر ، قعوداً عليها ، وأصحابَ مواشي ، وكانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله إليهم شعيباً ، فآذوه ، وتمادوا في طغيانهم فبينما هم حول البئر - والبئر في وسط منازلهم - انهارت بهم وبديارهم ، فهلكوا جميعاً . وقال قتادة : الرسُّ : قرية بفَلْح اليمامة ، قتلوا نبيّهم فأهلكهم الله . وقيل : هم بقية قوم هود وقوم صالح ، وهو أصحاب البئر ، التي قال : { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } [ الحج : 45 ] . وقال سعيد بن جبير وغيره : قوم كان لهم نبي ، يقال له : حنظلة بن صفوان ، وكان بأرضهم جبل ، يقال له : فتخ ، مَصْعَدُه في السماء ميل ، وكانت العنقاء تنتابه ، وهي كأعظم ما يكون من الطير ، وفيها من كل لون - وسموها العنقاء لطول عنقها - وكانت تنقض على الطير فتأكلها ، فجاعت ذات يوم ، فانقضت على صبي فذهبت به ، - وسميت عنقاء مغرب لأنها تُغّرِّبُ ما تأكله عن أهله فتأكله - ثم انقضت على جارية قد ترعرعت ، فأخذتها فطارت بها ، فشكوا إلى نبيهم ، فقال : اللهم خذها واقطع نسلها ، فأصابتها صاعقة ، فاحترقت ، فلم يُر لها أثر ، فصارت مثلاً عند العرب . ثم إنهم قتلوا نبيهم فأهلكم الله . وقال مقاتل والسدي : هم أصحاب بئر إنطاكية ، وتسمى الرس ، قتلوا فيها حبيباً النجار ، فنُسبوا إليها ، وهم الذين ذُكروا في يس . وقيل هم أصحاب الأخدود الذين حفروه ، والرسُّ في كلام العرب : كل محفور مثل البئر ، والقبر ، والمعدن ، وغير ذلك ، وجمعها : رساس . وقال عكرمة : هم قوم رسّوا نبيهم في بئر . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أول الناس مِمَّنْ يدخل الجنة عبد أسود ، وذلك أن الله تعالى بَعَثَ نَبِياً إلى قَرْيَةٍ ، فَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ إلا ذلِكَ الأَسْوَد ، فحَفَرَ أَهْلُ القَرْيَةِ بِئْراً وأَلْقوا فِيها نبيهم ، وأطْبقُوا عَلَيْهَا بحَجر ضخْم ، فكَانَ العَبْدُ يَحْتَطِب على ظهره ، ويبيعه ، ويأتيه بطعامه ، فيعينه الله تعالى على رفع تلك الصخرة حتى يُدليه إليْهِ . فبينما هو يحْتَطِبُ ذَات يَوْمٍ إذا نام فَضَرَبَ على أذنهِ سَبْعَ سِنينَ ثم جاء بطَعَامه إلى البئر فلم يَجِده . وكان قومُه قد بدا لهم فاسْتَخْرجُوه وآمَنُوا بِهِ ، ومات ذلك النبي ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : " إنَّ ذَلِكَ الأسْوَدَ لأوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّة " ، يعني من قومه . هـ . وهؤلاء آمنوا فلا يصح حمل الآية عليها ، إلا أن يكون أحدثوا شيئاً بعد نبيهم ، فدمرهم الله . وقال جعفر بن محمد عن أبيه : أن أصحاب الرسّ : السحّاقات ، قال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ مِنْ أَشْراطِ السَّاعَةِ أن يستكفي الرجالُ بالرجالِ ، والنساءُ بالنساءِ " ، وذلك السحاق ، ويقال له أيضاً : المساحقة ، وهو حرام بالإجماع . وسبب ظهوره : أن قوماً أحدثوا فاحشة اللواط ، حتى استغنوا عن النساء ، فبقيت النساء معطلة ، فجاءتهن شيطانة في صورة إمرأة ، وهي الوَلِهات بنت إبليس ، فشهَّت إلى النساء ركوب بعضهن بعضاً ، وعلمتهن كيف يصنعن ذلك ، فسلط عليهم صاعقة من أول الليل ، وخسفاً من آخر الليل ، وصيحة مع الشمس ، فلم يبق منهم بقية . هـ . { وقُُروناً } أي : دمرنا أهل قرون . والقرن سبعون سنة ، وقيل : أقل ، وقيل : أكثر ، { بين ذلك } أي : بين ذلك المذكور من الأمم والطوائف ، { كثيراً } ، لا يعلم عددها إلا العليمُ الخبير ، { وكلاً } من الأمم المذكورين قد { ضربنا له الأمثالَ } أي : بيَّنا له القصص العجيبة ، الزاجرة عما هم عليه من الكفر والمعاصي ، بواسطة الرسل . وقيل : المراد : تبيين ما وقع لهم ووصف ما أدى إليه تكذيبهم لأنبيائِهِمْ من عذاب الله وتدميرهم إياهم ليكون عبرة لمن بعدهم ، { وكلاً } أي : وكل واحد منهم { تَبَّرنا تتبيراً } أي : أهلكنا إهلاكاً عجيباً . والتتبير : التفتيت . قال الزجاج : كل شيء كسرته وفتته فقد تبرته . ثم بيّن بعض آثار الأمم المُتَبَّرَةِ ، فقال : { ولقد أَتَوْا } يعني : أهل مكة { على القرية } ، وهي سدوم ، وهي أعظم قرى قوم لوط ، وكانت خمساً ، أهلك الله أربعاً ، وبقيت واحدة ، كان أهلها لا يعملون الخبيث ، وأما البواقي فأهلكها بالحجارة ، وإليه أشار بقوله : { التي أُمطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ } أي : أمطر الله عليها الحجارة . والمعنى : والله لقد أتى قريش في متاجرهم إلى الشام على القرية التي أهلكها الله ، وبقي آثارها خاربة ، { أَفَلَمْ يكونوا يرونها } في مرورهم ورجوعهم فيتفكرون ويؤمنون ، { بل كانوا لا يرجون نُشُوراً } أي : بل كانوا قوماً كفرة بالبعث ، لا يخافون ولا يأملون بعثاً ، كما يأمله المؤمنون لطمعهم في الوصول إلى ثواب أعمالهم . أو : بل كانوا قوماً كفرة بالبعث ، منهمكين في الغفلة ، يرون ما نزل بالأمم أمر اتفاقياً ، لا بقدرة الباقي ، فطابع الكفر منعهم من التفكر والاعتبار . والله تعالى أعلم . الإشارة : ينبغي للمؤمن العاقل ، المشفق على نفسه ، أن ينظر فيمن هلك من الأمم السالفة ، ويتأمل في سبب هلاكهم ، فيشد يده على الاحتراز مما استوجبوا به الهلاك ، وهو مخالفة الرسل وترك الإيمان فيشد يده على متابعة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي ، ويرغب فيما رَغَّب فيه ، ويهتدي بهديه ، ويقتدي بسنته ، ويربي إيمانه ، ويجعل البعث والنشر والحشر بين عينيه ، فهذه طريق النجاة . وينبغي للمريد ، إذا رأى فقيراً سقط من درجة الإرادة ويبست أشجاره ، أن يحترز من تلك الزلاقة التي زلق فيها ، فيبحث عن سبب رجوعه ، ويجتنبه جهد استطاعته . ومرجعها إلى ثلاث : خروجه من يد شيخه إلى غيره ، وسقوط تعظيم شيخه من قلبه بسبب اعتراض أو غيره ، واستعمال كثرة الأحوال ، حتى يلحقه الملل . نسأل الله الحفظ من الجميع بمنِّه وكرمه . ثم ذكر وبال من لم يعظم الواسطة ، فقال : { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا … }