Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 41-44)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { وإِذا رَأَوْكَ } أي : مشركو مكة { إِن } ما { يتخذونَك إلا هُزُواً } أي : مهزوءاً بك ، أو محل هزء ، حال كونهم قائلين : { أهذا الذي بعثَ الله رسولاً } ، ورسولاً ، حال من العائد المحذوف ، أي : هذا الذي بعثه الله رسولاً ، والإشارة للاستحقار في اعتقادهم وتسليمهم البعث والرسالة ، مع كونهم في غاية الإنكار لهما على طريق الاستهزاء ، وإلا لقالوا : أبعث الله هذا رسولاً . { إن كاد لَيُضلُّنا عن آلهتنا } أي ليصرفنا عن عبادتها صرفاً كلياً ، والعدول إلى الإضلال لغاية ضلالتهم بادعاء أن عبادتها طريق سَوي . { لولا أن صبرنا عليها } لصرفنا عنها ، وهو دليل على مجاهدة الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوتهم ، وإظهار المعجزات لهم ، حتى شارفوا أن يتركوا دينهم إلى دين الإسلام ، لولا فرط لجاجهم وتقليدهم . قال تعالى : { وسوف يعلمون حين يَرَوْن العذابَ } الذي يستوجبه كفرهم وعنادهم ، { من أضلُّ سبيلاً } ، وأخطأ طريقاً . وفيه ما لا يخفى من الوعيد والتنبيه على أنه تعالى يُمهل ولا يهمل . { أرأيتَ من اتخذ إلهَهُ هَواهُ } أي : أطاع هواه فيما يذر ويفعل ، فصار معبوده هواه ، يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا الذي لا يرى معبوده إلا هواه ، كيف تستطيع أن تدعوه إلى الهدى وتهديه إليها ؟ يُروى أن الواحد من أهل الجاهلية كان يعبد الحجر ، فإذا مر بحجر أحسن منه تركه وَعَبَد الثاني . وقال الحسن : هو في كل متبع هواه . { أفأنت تكون عليه وكيلاً } حفيظاً تحفظه عن متابعة هواه وعبادة ما يهواه . والفاء لترتيب الإنكار على ما قبله ، كأنه قيل : أَبَعْدَمَا شاهدت من غلوه في طاعة الهوى ، وعتوه عن اتباع الهدى ، تقهره على الإيمان ، شاء أو أبى ، وإنما عليك التبليغ فقط . { أم تَحْسَبُ أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون } ، " أم " : منقطعة ، بمعنى بل ، أي : بل أتظن أن أكثرهم يسمعون ما تتلو عليهم من الآيات حق السماع ، أو يعقلون ما في تضاعيفها من المواعظ والأنكال ؟ { إنْ هم كالأنعام } أي : ما هم ، في عدم الانتفاع بما يقرع آذانهم من قوارع الآيات ، وانتفاء التأثير بما يشاهدونه من الدلائل والمعجزات ، إلاّ كالبهائم ، التي هي غاية في الغفلة ، ومَثل في الضلالة ، { بل هم أضلُّ سبيلاً } لأن البهائم تنقاد لصاحبها الذي يعلفها ويتعاهدها وتعرف من يُحسن إليها ممن يسيء إليها وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها وتهتدي لمراعيها ومشاربها ، وتأوي إلى معاطنها ، وهؤلاء لا ينقادون لخالقهم ورازقهم ، ولا يعرفون إحسانه من إساءة الشيطان ، الذي هو أعدى عدوهم ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أقبح المضار والمعاطب ولا يهتدون الحق الذي هو الشرع الهني ، والمورد العذب الروي ، ولأنها ، إن تعتقد حقاً مستتبعاً لاكتساب الخير ، لم تعتقد باطلاً مستوجباً لاقتراب الشر ، بخلاف هؤلاء حيث مهَّدوا قواعد الباطل ، وفرعوا أحكام الشرور ، ولأن أحكام جهالتها وضلالتها مقصورة عليها ، لا تتعدى إلى أحد ، وجهالة هؤلاء مؤدية إلى ثوران الفساد ، وصد الناس عن سنَن السداد ، وهيجان الهرج والمرج فيما بين العباد ، ولأنها غير متمكنة من طلب الكمال ، لعدم القوى العقلية ، فلا تقصير من قبلها ، ولا ذم ، وهؤلاء متمكنون من القوى العقلية مضيعون الفطرة الأصلية ، مستحقون بذلك أعظم العقاب ، وأشد النكال . هـ . وأصله للبيضاوي . الإشارة : تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وإجلاله وتوقيره من أعظم ما يُقرب إلى الله ، ويوصل إلى رضوان الله ، ويدخل العبد على مولاه لأنه باب الله الأعظم ، والواسطة الكبرى بين الله وبين عباده فمن عظَّمه صلى الله عليه وسلم وبجّله وخدمه أتم الخدمة ، أدخله الحضرة ، على التوقير والتعظيم والهيبة والإجلال . ومن حاد عن متابعتة فقد أتى البيت من غير بابه كمن دخل حضرة الملك بالتسور ، فيستحق القتل والطرد والبُعد . وإدخاله على الله : دلالته على من يعرفه بالله ، وقد يوصله بلا واسطة ، لكنه نادر . ومن أهمل هذا الجانب واستصغره طرده الله وأبعده ، وانسحب عليه قوله : { وإِذا رأوك إِن يتخذونك إلا هزوا } وكان ممن اتخذ إلهه هواه ، وكان كالبهائم ، أو أضل لأن من اتبع الواسطة كان هواه تابعاً لما جاء من عند الله ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يكُون هَواه تَبِعاً لما جئتُ به " وبالله التوفيق . ثم ذكر دلائل توحيده بعد بيان من غفل عنها وضلّ ، فقال : { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ … }