Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 51-52)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { ولو شئنا لبَعَثْنَا في كل قريةٍ نذيراً } أي : رسولاً يُنذر أهلها ، ولقسمنا النذر بينهم كما قسمنا المطر ، فيخف عليك أعباء النبوة ، ولكنا لم نشأ ذلك فحملناك ثقل نذارة جميع القرى ، حسبما نطق به قوله تعالى : { لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [ الفرقان : 1 ] لتستوجب بذلك الدرجة القصوى ، وتفضل على سائر الرسل والأنبياء ، { فلا تُطع الكافرين } فيما يدعونك إليه من موافقتهم ومداهنتهم . وكما آثرْتُك على جميع الأنبياء فآثر رضاي على جميع الأهواء ، وكأنه نهى للرسول صلى الله عليه وسلم عن المداراة معهم ، والتقصير في الدعوة لئلا تغلبه الشفقة عن مقابلتهم بصريح الحق . قال القشيري : { فلا تُطع الكافرين } أي : كُنْ قائماً بحقِّنا ، من غير أن يكون منك جنوحٌ إلى غيرنا ، أو مبالاةٌ بسوانا ، فإنا نَعْصِمُكَ بكل وجهٍ ، ولا نرفع عنكَ ظِلَّ عنايتنا بحالٍ . هـ . { وجاهِدْهُمْ به } أي : بالقرآن بأن تقرأ عليهم ما فيه من الزواجر والقوارع والمواعظ ، وذكر أحوال الأمم الهالكة ، { جهاداً كبيراً } عظيماً موقعه عند الله لما يتحمل فيه من المشاق ، فإن دعوة كُلِّ العالمين ، على الوجه المذكور ، جهاد كبير ، أو : جاهدهم به بالشدة والعنف من غير مداراة ولا ملاينة ، فَكِبَرُ الجهادِ هو ملابسته بالشدة والعنف ، كقوله : { جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 73 ] . والله تعالى أعلم . الإشارة : الإنذار والوعظ بالمقال مع الهمة والحال عزيز الوجود ، فقلَّ أن يجتمع منهم ، في العصر الواحد ، ثلاثة أو أربعة في الإقليم الكبير لأن الله تعالى لم يشأ ذلك بحكمته ، قال تعالى : { ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً } ، وكلما قَلَّ عددهم ، وعظُم الانتفاع بهم ، عظُم قدرهم ، فينبغي للمذكِّر أن يُذكِّر كلاًّ بما يليق به ، فأهل العصيان ينبغي له أن يشدد في الإنذار ، ولا يداريهم ولا يداهنهم . وأهل الطاعة ينبغي له أن يُبشِّرهم ويسهل الأمر عليهم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " يَسِّروا ولا تُعَسِّروا ، وبَشِّروا ولا تُنَفِّرُوا " ، فيحتاج المذكِّر إلى فطنة وفراسة ، حتى يعطي كل واحد ما يليق به ، ويخاطب كل واحد بما يطيقه . وبالله التوفيق . ثم ذكر دليلاً آخر على كمال قدرته ، فقال : { وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ … }