Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 53-55)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : أصل المرج : الخلط والإرسال ، ومنه قوله تعالى : { فَهُمْ فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ } [ ق : 5 ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " كيف بك يا عبدَ اللهِ إذا كنت في حُثَالةٍ من الناس ، قد مرجتْ عهودهُمْ وأماناتهمْ ، وصاروا هكذا ، وشَبَّكَ بين أصابعه " . يقال : مرج دابته وأمرجتها : إذا أرسلتها في المرعى . ومنه قيل للروضة : مرج . يقول الحق جل جلاله : { وهو الذي مَرَجَ البحرين } أي : أرسلهما ، وخَلاَّهُمَا متجاورَيْن متلاصقَيْن غير متمازجَيْن . { هذا عذبٌ فُرَاتٌ } أي شديد العذوبة ، قامع للعطش لعذوبته ، أي : برودته ، { وهذا مِلْحٌ أُجاجٌ } : بليغ الملوحة ، أو هذا عذب لا ملوحة فيه ، وهذا ملح لا عذوبة فيه ، مع اتحاد جنسهما ، { وجعل بينهما برزخاً } حائلاً بقدرته ، يفصل بينهما ويمنعهما التمازج لئلا يختلطا ، { وحِجْراً محجوراً } أي : وستراً ممنوعاً عن الأعين ، كقوله : { حِجَاباً مَّسْتُوراً } [ الإسراء : 45 ] ، أي : جعل بينهما حاجزاً خفياً لئلا يغلب أحدهما الآخر ، أو : سداً ممنوعاً يمنعهما فلا يبغيان ، ولا يفسد الملحُ العذبَ ، ولو خَلاَّ الله تعالى البحر الملح ، ولم يلجمه بقدرته ، لفاض على الدنيا ، واختلط مع العذب وأفسده . ثم ذكر دليلاً آخر ، فقال : { وهو الذي خلقَ من الماءِ } أي : النطفة { بَشَراً } إنساناً { فجعله نسباً وصِهْراً } . قسم البشر قسمين : ذوي نسب ، أي ذكوراً ، ينسب إليهم ، فيقال : فلان ابن فلان . وذوات صهر ، أي : إناثاً يصاهر بهن ، فهو كقوله : { فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [ القيامة : 39 ] . قال ابن جزي : والنسب : أن يجتمع إنسان مع آخر في أب أو أمّ ، قَرُبَ ذلك أو بَعُدَ . والصهر : هو الاختلاط بالتناكح . هـ . وعن علي رضي الله عنه : النسب ما لا يحل نكاحه ، والصهر : ما يحل نكاحه . وعن الضحاك ومقاتل : النسب سبعة ، والصهر خمسة ، ثم قرأ هذه الآية : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } [ النساء : 23 ] . فالسبعة الأولى : نسب ، والباقي : صهر . هـ . والأصح أن التسعة نسب ، والباقي صهر . { وكان ربك قديراً } حيث خلق من النطفة الواحدة بشراً ذا نوعين ، ذكراً وأنثى ، أو : حيث خلق من مادة واحدة بشراً ذا أعضاء مختلفةٍ وطباعٍ متباعدة ، وجعله قسمين متقابلين ذكراً وأنثى . { ويعبدون من دون الله } بعد هذا البرهان الواضح على توحيده ، { ما لا ينفعُهم } إن عبدوه ، { ولا يضرُّهم } إن تركوه ، وهم الأصنام ، أو كل من عبد من دون الله إذ المخلوق كله عاجز ، { وكان الكافر على ربه } ، الذي ذكر آثار قدرته ودلائل ربوبيته ، { ظَهِيراً } مُعِيناً ، يظاهر الشيطان ويعينه على الكفر والعصيان . والمعنى : أن الكافر بعبادة الصنم ، يتابع الشيطان ويُعاونه على معصية الرحمن . وقال ابن عرفة : أي : مظاهراً لأعداء الله على أولياء الله ، فتلك إعانته . هـ . الإشارة : مَرج البحرين بحر الشريعة وبحر الحقيقة ، فبحر الشريعة عذب فرات لأنه سهل المدارك ، يناله الخاص والعام ، وبحر الحقيقة ملح أجاج لأنه لا يناله إلا من ذاق مرارة فطام النفس من هواها ، ومجاهدتها في ترك مُنَاها ، حتى تموت ثم تحيا ، فحينئذٍ تتلذذ بمشاهدة مولاها ، وتطيب حياتها في أخراها ودنياها . فبحر الحقيقة صعب المرام ، لا يركبه إلا الشجعان ، وفي ذلك يقول صاحب العينية رضي الله عنه : @ وَإِيَّاك جَزْعاً لا يَهُولُكَ أَمْرُهَا فَمَا نَالَهَا إلاَّ الشُّجَاعُ المُقَارعُ @@ والبرزخ الذي جعل بينهما : نور العقل ، يميز بين محل الشرائع ومحل الحقائق ، فيعطي كل ذي حق حقه ، ويوفي كل ذي قسط قسطه . ثمّ ذكر شأن الواسطة التي هي سبب لركوب البحرين ، فقال : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً … }