Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 10-17)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { و } اذكر يا محمد { إذ نادى ربُّك موسى } أي : وقت ندائه إياه ، وذَكِّر قومك بما جرى على قوم فرعون بسبب تكذيبهم زجراً لهم ، وتحذيراً من أن يحيق بهم مثل ما حاق بإخوانهم المكذبين . أو : واذكر حاله لتتسلى به وبما عالج مع قومه حيث أرسله وقال له : { أن ائْتِ القوم الظالمين } أو : بأن ائْتِ القومَ الظالمين بالكفر والمعاصي ، أو : باستعباد بني إسرائيل وذبح أبنائهم . { قومَ فرعون } : عطف بيان ، تسجل عليهم بالظلم ، ثم فسرهم ، وقل لهم : { ألاَ يتقون } الله ، ويتركون ما هم عليه من العتو والطغيان . وقرئ بتاء الخطاب على طريقة الالتفات ، المنبئ عن زيادة الغضب عليهم ، كأنَّ ظلمهم أدى إلى مشافهتهم بذلك . وليس هذا نفس ما ناداه به ، بل ما في سورة طه من قوله : { إِنّىِ أَنَاْ رَبُّكَ … } [ طه : 12 ] إلخ ، واختصره هنا لمقتضى المقام . { قال } موسى عليه السلام متضرعاً إلى الله عز وجل : { ربِّ إني أخافُ أن يكذِّبون } من أول الأمر ، { ويضيق صدري } بتكذيبهم إياي ، { ولا ينطلقُ لساني } بأن تغلبني الحمية على ما أرى من المحال ، وأسمع من الجدال ، أو : تغلبني عقدة لساني ، { فأرسلْ إلى هارون } أخي ، أي : أرسل جبريلَ إليه ، ليكون نبياً معي ، أَتَقَوَّى به على تبليغ الرسالة . وكان هارون بمصر حين بُعث موسى بجبل الطور . وليس هذا من التعلل والتوقف في الأمر ، وإنما هو استدعاء لما يُعينه على الامتثال ، وتمهيد عذره . ثم قال : { ولهم عليّ ذنبٌ } أي : تبعة ذنب بقتل القبطيّ ، فحذف المضاف ، أو : سمّي تبعة الذنب ذنباً ، كما يُسَمَّى جزاء السيئة سيئة . وتسميته ذنباً بحسب زعمهم . { فأخافُ أن يقتلونِ } به قصاصاً . وليس هذا تعللا أيضاً ، بل استدفاع للبلية المتوقعة ، وخوف من أن يقتل قبل أداء الرسالة ، ولذلك وعده بالكلاءة ، والدفع عنه بكلمة الردع ، وجمع له الاستجابتين معاً بقوله : { قال كلا فاذهبا } لأنه استدفعه بلاءهم ، فوعده بالدفع بردعه عن الخوف ، والتمس منه رسالة أخيه ، فأجابه بقوله : { اذهبا } ، أي : جعلتُه رسولاً معك { فاذهبا بآياتنا } أي : مع آياتنا ، وهو اليد والعصا وغير ذلك ، فقوله : { فاذهبا } : عطف على مضمر ، يُنبئ عنه الردع ، كأنه قيل : ارتدع يا موسى عما تظن ، فاذهب أنت ومن استدعيته مصحوباً بآياتنا ، فإنها تدفع ما تخافه . { إنّما معكم مستمعون } أي : سامعون ما يقال لك ، وما يجري بينكما وبينه ، فنظهركما عليه . شبَّه حاله تعالى بحال ذي شوكة قد حضر مجادلة ، فسمع ما يجري بينهم ، فيمد أولياءه وينصرهم على أعدائهم مبالغة في الوعد بالإعانة ، فاستعير الاستماع ، الذي هو الإصغاء للسمع ، الذي هو العلم بالحروف والأصوات ، وهو تعليل للردع عن الخوف ، ومزيد تسلية لهما ، بضمان كمال الحفظ والنصر ، كقوله تعالى : { إِنَّنِى مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [ طه : 46 ] . { فَأْتِيَا فرعونَ فقولا إِنا رسولُ ربِّ العالمين } ، ليس هذا مجرد تأكيد للأمر بالذهاب لأن معنى هذا : الوصولُ إلى المرسل إليه ، والذهاب : مطلق التوجه ، ولم يُثَنَّ الرسول هنا كما ثناه في سورة طه لأن الرسول يكون بمعنى المرسل وبمعنى الرسالة ، فيكون مصدراً ، فَجُعِلَ ثَمَّةَ بمعنى المُرْسَل فثنى ، وجعل هنا بمعنى الرسالة ، فسوّى في الوصف به الواحد والتثنية والجمع ، كما تقول : رجل عدل ، ورجلان عدل ، ورجال عدل لاتحادهما في شريعة واحدة ، كأنهما رسول واحد . قلت : والنكتة في إفراد هذا وتثنية الآخر أن الخطاب في سورة طه توجه أول القصة إليهما معاً بقوله { اذهب أنت وأخوك } فجرى في آخر القصة على ما افتتحت به ، وهنا توجه الخطاب في أولها إلى موسى وحده ، بقوله : { وإِذا نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين } ، فجرى على ما افتتح به القصة من الإفراد . والله تعالى أعلم . { أنْ أرسل معنا بني إسرائيل } ، " أن " : مفسرة لتضمن الإرسال المفهوم من الرسول معنى القول ، أي : خَلِّ بني إسرائيل تذهب معنا إلى الشام ، وكان مسكنهم بفلسطين منه ، قبل انتقالهم مع يعقوب عليه السلام إلى مصر ، في زمن يوسف عليه السلام . والله تعالى أعلم . الإشارة : من كان أهلاً للوعظ والتذكير لا ينبغي أن يتأخر عنه خوف التكذيب ولا خوف الإذاية ، فإن الله معه بالحفظ والرعاية . نعم إن طلب المُعِينَ فلا بأس ، فإن أُبهة الجماعة ، في حال الإقبال على من يُعظمهم ، أقوى في الإدخال الهيبة والروع في قلوبهم ، ونور الجماعة أقوى من نور الواحد . والله تعالى أعلم . ثم ذكر جواب فرعون ومجادلته ، فقال : { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً … }