Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 141-159)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { كَذَّبَتْ ثمودُ المرسَلين إذ قال لهم أخوهم } نسباً ، { صالحٌ ألا تتقون } الله تعالى ، فتوحدونه ، { إني لكم رسولٌ أمين } : مشهور فيكم بالأمانة ، { فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على ربِّ العالمين أَتُتْركون فيما ها هنا آمنين } أي : أتطمعون أن تتركوا فيما ها هنا من النعمة والتَّرَفُّهِ ، آمنين من عقاب الله وعذابه ، وأنتم على كفركم وشرككم ، كلا ، والله لنختبرنكم ببعث الرسول ، فإن كفرتم عاجلتكم بالعقوبة . ثم فسّر ما هم فيه من النعمة بقوله : { في جناتٍ وعيونٍ وزروعٍ ونخلٍ } هو دخل فيما قبله ، وخصه بالذكر شرفاً له . أو : في جنات بلا نخل ، { طَلْعُهَا هَضِيمٌ } ، والطلع : عنقود التمر في أول نباته ، باقياً في غلافه . والهضيم : اللطيف اللين للطف الثمر ، أو : لأن النخل أنثى وطلع الأنثى ألطف ، أو : لنضجه ، كأنه : قيل : ونخل قد أرطب ثمره . قال ابن عباس : إذا أينع فهو هضيم . وقال أيضاً : هضيم : طيب ، وقال الزجاج : هو الذي رطبه بغير نوى ، أو : دَانٍ من الأرض ، قريب التناول . { وتَنْحِتُون } أي : تنقبون { من الجبال بيوتاً فارِهين } حال من الواو ، أي : حاذقين ، أو : ناشطين ، أو : أقوياء ، وقيل : أَشِرينَ بَطِرِينَ . قيل : كانوا في زمن الشتاء يسكنون الجبال ، وفي زمن الربيع والصيف ينزلون بمواشيهم إلى الريف ومكان الخصب . { فاتقوا الله وأطيعون ولا تُطيعوا أمرَ المسرفين } الكافرين المجاوزين الحد في الكفر والطغيان ، أي : لا تنقادوا لأمرهم ، ولا تتبعوا رأيهم ، وهم { الذين يُفسدون في الأرض } بالإسراف بالكفر والمعاصي ، { ولا يُصلحُونَ } بالإيمان والطاعة . والمعنى : أن فسادهم خالص ، لا يشوبه شيء من الصلاح ، كما تكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح . { قََاُلوا إِنَّما أَنتَ مِنَ الْمُسَحِّرِينَ } الذين سُحِرُووا ، حتى غَلَبَ على عقلهم السحرُ { وما أنت إلا بشرٌ مثلنا فأتِ بآيةٍ إن كنت من الصادقين } في دعوى الرسالة ، { قال هذه ناقةٌ } ، قالها بعدما أخرجها الله تعالى من الصخرة بدعائه عليه السلام ، { لها شِرْبٌ } نصيب من الماء ، فلا تُزاحموها فيه ، { ولكم شِرْبُ يومٍ مَعْلومٍ } لا تزاحمكم فيه . رُوي أنهم قالوا : نُريد ناقة عُشَرَاءَ ، تخرج من هذه الصخرة ، فتلد سَقْباً - والسقب : ولد الناقة - فقعد صالح يتفكر ، فقال له جبريل عليه السلام : صَلِّ ركعتين ، وسَلْ رَبَّك الناقة ، ففعل ، فخرجت الناقة ، ونتجت سقباً مثلها في العِظم ، وصدرها ستون ذراعاً - أي : طولها - وإذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله ، وإذا كان يوم شربهم لا تشرب فيه . { ولا تَمَسُّوها بِسُوءٍ } بضرب ، أو عقر ، أو غير ذلك ، { فيأخذَكم عذابُ يومٍ عظيم } ، وصف اليوم بالعظم لعظم ما يحل فيه ، وهو أبلغ من تعظيم العذاب ، { فعقروها } عَقَرَها " قَدَّار " ، وأسند العقر إلى جميعهم لأنهم راضون به . رُوي أن عاقرها قال : لا أعقرها حتى ترضوا أجمعين . وكانوا يدخلون على المرأة في خدرها ، فيقولون : أترضين بعقر الناقة ؟ فتقول : نعم ، وكذلك صبيانهم ، { فأصبحوا نادمين } على عقرها خوفاً من نزول العذاب بهم ، لا ندم توبة لأنهم طلبوا صالحاً ليقتلوه لَمَّا أيقنوا بالعذاب ، وندموا حين لا ينفع الندم ، وذلك حين مُعَايَنَةِ العذاب . { فأخذهم العذابُ } أي : صيحة جبريل ، فتقطعت قلوبهم ، { فأصبحوا في ديارهم جاثمين } : ميتين ، صغيرهم وكبيرهم ، { إنّ في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين } . رُوي أنه أسلم منهم ألفان وثلاثمائة رجل وامرأة . وقيل : كانوا أربعة آلاف ، وقال كعب : كان قوم صالح اثني عشر ألفاً ، من سوى النساء والذرية . ولقد كان قوم عاد مثلهم ست مرات . قاله القرطبي : قيل : في نفي الإيمان عن أكثرهم إيماءٌ إلى أنه لو آمن أكثرهم أو : شطرهم لما أُخذوا بالعذاب ، وأن قريشاً إنما عُصموا من تعجيل العذاب ببركة من آمن منهم . وعلى أن كان زائدةٌ يكون الضمير لقريش ، كما تقدم . { وإن ربك لهو العزيز الرحيم } . الإشارة : قوله : { أَتُتركون فيما ها هنا آمنين } أنكر عليهم ركونهم إلى الدنيا وزخارفها الغرارة ، واطمئنانهم إليها ، وهو غرور وحمق إذ الدنيا كسحابة الصيف ، تظل ساعة ثم ترتحل ، فالدنيا عرض حائل ، وظل آفل ، فالكيِّس من أعرض عنها ، وتوجه بكليته إلى مولاه ، صبر قليلاً وربح كثيراً ، والأحمق من وقع في شبكتها ، حتى اختطفته منيته ، وفي الحديث : " الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لا دَارَ لَهُ ، ومالُ من لا مَالَ له ، لَهَا يجمعُ من لا عقل له ، وعليها يُعادي من لا علم عنده " . ثم ذكر قصة لوط عليه السلام ، فقال : { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ … } .