Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 160-175)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ … } إلخ ، وهو ظاهر ، ثم قال { أتأتون الذُّكْرَان من العالمين } ، أراد بالعالمين : الناس ، أي : أتطؤون الناس مع كثرة الإناث ، أو : أتطؤون أنتم من بين سائر العالمين الذكران ، وتختصون بهذه الفاحشة { وتذرُون ما خلقَ لكم ربكم } من الإناث : أو : ما خلق لكم لأجل استمتاعكم من الفروج ، { مِن أزواجكم } ، فَمِنْ للبيان ، إن أريد بـ " ما " : جنس الإناث ، وهو الظاهر ، وللتبعيض ، إن أريد بها العضو المباح منهن ، تعريضاً بأنهم يفعلون ذلك بنسائهم أيضاً ، وفيه دليل تحريم أدبار الزوجات والمملوكات ، ومن أجاز ذلك قد أخطأ خطأ عظيماً . { بل أنتم قومٌ عَادُون } أي : متعدون . والعادي : المتعدي في ظُلْمِهِ ، المتجاوز فيه الحد ، أي : أنتم قوم أحقَّاء بأن توصفوا بالعدوان حيث ارتكبتم مثل هذه العظيمة ، التي لم يرتكبها أحد قبلكم ، ولو من الحيوانات البهيمية . { قالوا لئن لم تنتهِ يا لوطُ } عن إنكارك علينا وتقبيح أمرنا { لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ } من بلدنا ، أي : من جملة من أخرجناه من بين أظهرنا ، وطردناه من بلدنا . ولعلهم كانوا يُخرجون من أخرجوه على أسوأ حال . { قال إني لِعَمَلِكُم من القَالين } من المبغضين غاية البغض ، كأنه يقلي الفؤاد والكبد من شدته . والقِلَى : أَشَدُّ البغض ، وهو أبلغ من أن يقول : لعملكم قالٍ ، فقولك : فلان من العلماء ، أبلغ من قولك : فلان عالم لأنك تشهد بأنه مساهم لهم في العلم . وفي الآية دليل على قبح معصية اللواط ولذلك أفتى مالك بقتل فاعلها . ثم قال : { رَبِّ نَجّنِي وأهلي مما يعملون } من عقوبة عملهم ، { فنجَّيناه وأهله أجمعين } يعني : بناته ، ومن آمن معه ، { إلا عجوزاً } هي امرأته ، وكانت راضية بذلك ، والراضي بالمعصية في حكم العاصي ، ولو لم يحضر . واستثناؤها من الأهل لأنها داخلة فيه - ولو لم تكن مؤمنة - لاشتراكها في الأهلية بحق الزواج . بقيت { في الغابرين } في الباقين في العذاب ، وهي صفة لها . والغابر في اللغة : الباقي ، كأنه قيل : إلا عجوزاً غابرة ، أي : مُقَدَّراً غبورها إذ الغبور لم يكن صفتها وقت نجاتهم . { ثم دمَّرنا الآخَرِين } أي : أهلكناهم أشد إهلاك وأفظعه ، { وأمطرنا عليهم مطراً } أي : مطراً غير معهود . وعن قتادة : أمطر الله على شُذّاذ القوم ، أي : الخارجين عن البلد - حجارة من السماء فأهلكهم ، وقلب المدينة بمن فيها . وقيل : لم يرض بالقلب فقط حتى أتبعهم مطراً من حجارة ، { فساءَ مطرُ المنذَرين } أي : قَبُحَ مَطَرُ المنذرين مطرهم ، فالمخصوص محذوف . { إن في ذلك لآيةً وما كان أكثرُهم مؤمنين } ، بل لم يؤمن به إلا بناته وناس قليلون . أو : ما كان أكثر قريش بمؤمنين بهذا ، { وإِن ربَّك لهو العزيز } الغالب ، { الرحيم } حيث لم يُعاجل بالعقوبة لمن استحقها . الإشارة : من شناعة هذه المعصية حذر الصوفية من مخالطة الشبان ، وكذلك النساء . وما أُولِعَ فقيرٌ بمخالطتهما فأفلح أبداً ، إن سلم من الفاحشة اتُّهِمَ بها ، ولا يحل لامرئ يُؤمن بالله واليوم الآخر أن يقف مواقف التهم . والنظر إلى محاسن النساء والشبان فتنة ، وهي كالعقارب ، الصغيرة تلدغ ، والكبيرة تلدغ ، فالسلامة البُعد عن ساحتهن ، إلا على وجهٍ أباحته الشريعة ، كالتعليم أو التذكير ، مع غَضِّ البصر ، أو حجابٍ بينه وبينهن ، وبالله التوفيق . ثم ذكر قصة شعيب عليه السلام ، فقال : { كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ … }