Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 192-203)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " آية " خبر " كان " ، و " أَنْ يعلمه " : اسمها ، ومن قرأ " آية " بالرفع فآية اسمها ، و { أن … } إلخ : خبر أو " كان " : تامة ، و " آية " : فاعل ، و " أن يعلمه " : بدل منه . يقول الحق جل جلاله : { وإنه } أي : القرآن المشتمل على القصص المتقدمة ، وكأنه تعالى عاد إلى ما افتتح به السورة من إعراض المشركين عما يأتيهم من الذكر ، ليتناسب المفتتح والمختتم ، أي : وإن القرآن الكريم { لتنزيلُ ربِّ العالمين } أي : منزل من جهته . ووصفه تعالى بربوبية العالمين للإيذان بأن تنزيله من أحكام ربوبيته للعالمين ورأفته للكل . { نَزَلَ به } أي : أنزله { الروحُ الأمين } أي : جبريل عليه السلام ، لأنه أمين على الوحي الذي فيه روح القلوب ، ومن قرأ بالتشديد : فالفاعل هو الله ، والروح : مفعول به أي : جعل الله تعالى الروح الأمين نازلاً به . والباء للتعدية نزل به { على قلبك } أي : حفظك وفهمك إياه ، وأثبته في قلبك إثبات ما لا يُنْسَى ، كقوله : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى } [ الأعلى : 6 ] . { لتكونَ من المُنْذرِين } بما فيه من العقوبات الهائلة والمواعظ الزاجرة ، { بلسان عربي } بلغة قريش وجُرْهُم ، فصيح بليغ ، والباء : إما متعلق بمنذرين ، أي : لتكون من الذين أَنْذَرُوا بهذا اللسان وهم هود وصالح وشعيب وإسماعيل عليهم السلام أو : بنزل ، أي : نزله بلسان عربي لتُنذر به ، لأنه لو نزل بلسان أعجمي لتجافوا عنه ، ولقالوا : ما نصنع بما لا نفهمه ؟ فيتعذر الإنذار به . وهذا أحسن لعمومه أي : لتكون من جملة من أنذر قبلك ، كنوح وإبراهيم وموسى ، وغيرهم من الرسل ، عربيين أو عجمين ، وأشد الزواجر تأثيراً في قلوب المشركين : ما أنذره إبراهيم لانتمائهم إليه ، وادعائهم أنهم على ملته . { وإنه } أي : القرآن { لفي زُبُرِ الأَوَّلِينَ } يعني : أنه مذكور في سائر الكتب السماوية . وقيل : ثبت فيها معناه ، فإن أحكامه التي لا تحتمل النسخ والتبديل ، بحسب تبدل الأعصار ، من التوحيد وسائر ما يتعلق بالذات والصفات مسطورة فيها ، وكذا ما في تضاعيفه من المواعظ والقصص . قال النسفي : وفيه دليل على أن القرآن إذا ترجم عنه بغير العربية بقي قرآناً ، ففيه دليل على جواز قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة . هـ . وهو حنفي المذهب ، وأما مذهب مالك : فلا . { أوَ لمْ يكن لهم آيةً } أي : أغفلوا ولم يكن لهم آية دالة على أنه تنزيل رب العالمين حقاً ، { أن يعلمه علماءُ بني إسرائيل } ، كعبد الله بن سلام ، وغيره ، لوجود ذكره في التوراة . قال تعالى : { وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } [ القصص : 53 ] . والمعنى : أَوَ لَمْ يكفهم دليلاً على كون القرآن من عند الله عَلِم أَحْبَارِ بني إسرائيل به . ومعرفتهم له ، كما يعرفون أبناءهم لموافقته لما عندهم في كثير من القصص والأخبار ، حتى إن سورة يوسف مذكورة في التوراة بمعنى واحد ، وترتيب واحد ، وما اختلف مع القرآن فيها إلا في كلمة واحدة : " وجاؤوا على قميصه بدم كذب " ، عندهم في التوراة : وجاؤوا على قميصه بدم جدي . وكذا سورة طه : جُلهَا في التوراة . وقد تقدم الحديث : " أوتيت طه والطواسين والحواميم من ألواح موسى " وقد فسر بعض علماء هذه الأمة القرآن العظيم كله بالكتب المتقدمة ، ينقل في كل آية ما يوافقها من الكتب السماوية . ثم قال تعالى : { ولو نزَّلناه على بعض الأَعْجَمِينَ } أي : ولو نزلناه كما هو بنظمه الرائق على بعض من لا يفهم العربية ، ولا يقدر على التكلم بها ، { فقرأه عليهم } قراءة صحيحة ، خارقة للعادة ، { ما كانوا به مؤمنين } مع انضمام إعجاز القراءة إلى إعجاز المقروء لفرط عنادهم ، وشدة شكيمتهم ، قال النسفي : والمعنى : إنّا أنزلنا هذا القرآن على رجل عربيٍّ مبين ، ففهموه ، وعرفوا فصاحته وأنّه معجز ، وانضم إلى ذلك اتفاق علماء أهل الكتاب قبله على البشارة بإنزاله ، وصفته في كتبهم ، وقد تضمّنت معانيه وقصصه ، وصح بذلك أنها من عند الله ، وليست بأساطير كما زعموا ، فلم يؤمنوا به ، وسمّوه شعراً تارة ، وسحراً أخرى . ولو نزلناه على بعض الأعاجم ، الذي لا يحسن العربية ، فضلاً أن يقدر على نظم مثله ، { فقرأه عليهم } هكذا معجزاً ، لكفروا به ، ولتمحّلوا لجحودهم عذراً ، ولسموه : سحراً . هـ . والأعجمين : جمع الأعجمي ، فإن أفعل ، إذا كان للتفضيل ، يجمع جمع سلامة إذا لم يكن معناه للتفضيل كأحمر ، وأصل الأعجمين : الأعجمين ، فحذفت ياؤه ، وقيل : جمع أعجم ، فلا حذف . { كذلك سَلَكْنَاه } أي : أدخلنا التكذيب والكفر ، وهو مدلول قوله : { ما كانوا به مؤمنين } ، { في قلوب المجرمين } : الكافرين الذين علمنا منهم اختيار الكفر والإصرار عليه . يعني : مثل هذا السَّلْكِ الغريب سلكناه في قلوبهم وقررناه فيها ، فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه ، من التكذيب والإصرار عليه ، وهو حجتنا على المعتزلة في خلق أفعال العباد خيرها وشرها . وقوله : { لا يؤمنون } توضيح وتقرير لما قبله . ويجوز أن يكون حالاً ، أي : سلكناه فيها غير مؤمنين به ، أو : مثل ذلك السلك البديع سلكناه ، أي : أدخلنا القرآن في قلوب المجرمين ، ففهموا معانيه ، وعرفوا فصاحته وبلاغته ، وأنه خارج عن القوة البشرية ، من حَيْثُ النَّظْم المعجز والأخبار الغيبية . وقد انضم إليه اتفاق علماء أهل الكتاب على اتفاقه لما في أيديهم من الكتب السماوية . ومع ذلك { لا يؤمنون به } ، ولا يتأثرون بأمثال تلك الأمور الداعية إلى الإيمان ، بل يستمرون على ما هم عليه ، { حتى يَرَوُا العذابَ الأليم } الملجئ إلى الإيمان ، حين لا ينفعهم الإيمان ، { فيأتيهم بَغْتَةً } فجأة في الدنيا والآخرة { وهم لا يشعرون } بإتيانه ، { فيقولون هل نحن مُنْظَرُون } مُؤَخَّرُون ساعة . قالوه تَحَسُّراً على ما فات من الإيمان ، وتمنياً للإمهال لتلافي ما فرضوه . والله تعالى أعلم . الإشارة : إذا تطهر القلب من الأكدار والأغيار ، وملئ بالمعارف والأسرار ، كان مَهْبِطاً لوحي الإلهام ووحي الإعلام ، ومحلاً لتنزل الملائكة الكرام ، إذ كل ما أعطى للرسول كان لوارثه الحقيق منه شِرْبٌ ونصيب ليكون من الواعظين بلسان عربي مبين ، يُفصح عن جواهر الحقائق ، ويواقيت العلوم ، وما ينطق به من العلوم يكون موافقاً لما في زُبُر الأولين ، وإن كان أمياً لأن علوم الأذواق لا تختلف . أو لم يكن لهم آية على ولايته أن يعلمه علماء أهل فنه من المحققين . وقال الورتجبي على هذه الآية : أخبر الله سبحانه أن قلب محمد صلى الله عليه وسلم محل نزول كلامه الأزلي لأنه مصفى من جميع الحدثان ، بتجلي مشاهدة الرحمن ، فكان قلبه عليه الصلاة والسلام صَدَف لآلِئَ خطابِ الحق ، يسْبَح في بحار الكرم ، فيتلقف كلام الحق من الحق بلا واسطة ، وذلك سر عجيب وعلم غريب لأنه يجمع كلام الحق وما اتصل به ، وكلامه لم ينفصل عنه ، وكيف تفارق الصفات الذات ، لكن أبقى في قلبه ظاهره وعلمه وسره ، فجبريل عليه السلام في البين : واسطة لجهة الحرمة ، وذكر ذلك بقوله : { نزل به الروح الأمين على قلبك … } لأن القلب معدن الإلهام والوحي والكلام والرؤية والعرفان ، به يحفظ الكلام . وفائدة ذلك : الإعلام بسر وجود الإنسان ، وأنه ليس شيء يليق بالخطاب ونزول الأنباء إلا قلبه ، وكل قلب مسدود بعوارض البشرية لا يسمع خطاب الحق ، ولا يرى جمال الحق . قال أبو بكر بن طاهر : ما أنزله على جبريل جعله محلاً للإنذار ، لا التحقيق ، والحقيقة هو ما تلقفه من الحق ، فلم يخبر عنه ، ولم يشرف عليه خلق من الجن والإنس والملائكة لأنه ما أطاق ذلك أحد سواه . وما أنزل جبريل جعله للخلق ، فقال : { لتكون من المنذرين } بما نزل به جبريل على قلبك المتحقق ، فإنك متحقق بما كافحناك به ، وخاطبناك على مقامٍ لو شاهدك فيه جبريل لاحترق . هـ . على تصحيف في النسخة . وبالله التوفيق . ثم هددّهم بنزول العذاب ، فقال : { أَفَبِعَذَابِنَا … }