Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 204-209)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : توبيخاً لمن اقترح نزول العذاب ، كقولهم : { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] { أفبعذابنا يستعجلون } مع كونهم لا يطيقونه إذا نزل بهم ؟ وتقديم الجار للإيذان بأن مصب الإنكار والتوبيخ هو كون المُسْتَعْجَلِ به عذابَه ، مع ما فيه من رعاية الفواصل . { أفرأيتَ } أي : أخبرني . ولما كانت الرؤية من أقوى أسباب الإخبار بالشيء وأشهرها شاع استعمال " أرأيت " في معنى أخبرني . والخطاب لكل من يسمع ، أي : أخبرني أيها السامع : { إن متعناهم } إن متعنا هؤلاء الكفرة { سنينَ } متطاولة بطول الأعمار وطيب المعاش ، ثم جاءهم ما كانوا يُوعدون من العذاب ، { ما أغنى عنهم } أي : أيُّ سيء أو أيُّ إغناء أغنى عنهم { ما كانوا يُمَتَّعُونَ } أي : كونهم متمتعين ذلك التمتع المديد ، أيُّ شيء أغنى في دفع العذاب ، وما : مصدرية ، أو : ما كانوا يتمتعون به من متاع الحياة الدنيا ، على أنها موصولة ، حذف عائدها ، وأيا ما كان فالاستفهام للإنكار والنفي . وقيل : ما : نافية ، أي : لم يغن عنهم تمتعهم المتطاول في دفع العذاب . والأول أرجح . { وما أهلكنا من قريةٍ } من القرى المهلكةَ ، { إلا لها مُنْذِرُون } قد أنذروا أهلها لتقوم الحجة عليهم ، { ذِكْرَى } أي : تذكرة ، وهو مصد منذرون لأن أنذر وذكر متقاربان ، كأنه قيل : لها مُذكرون تذكرة . أو مفعول له ، أي : ينذرونهم لأجل التذكرة والموعظة ، أو خبر ، أي : هذه ذكرى ، أو يكون ذكرى متعلقة بأهلكنا مفعولاً له ، والمعنى : وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلا بعد ما ألزمناهم الحجة ، بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم ، فلا يعصون مثل عصيانهم ، { وما كنا ظالمين } فنهلك قوماً غير ظالمين ، أو قبل إنذارهم . والتعبير عن ذلك بنفي الظالمية مع أن إهلاكهم قبل الإنذار ليس بظلم إذ لا يجب عليه تعالى شيء - كما تقرر من قاعدة أهل السنة - لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك ، وتحقيقاً لكمال عدله . والله تعالى أعلم . الإشارة : يقول الحق جل جلاله ، في جانب أهل البطالة والغفلة : أفرأيت إن متعناهم سنين بالأموال والنساء والبنين ، فاشتغلوا بجمع الأموال والدثور ، وبناء الغرف وتشييد القصور ، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون من الموت ، والرحيل من الأوطان ، ومفارقة الأحباب والعشائر والإخوان ، أيُّ شيء أغنى عنهم ما كانوا يتمتعون به ، من لذيذ المآكل والمشارب ، ومفاخر الملابس والمراكب ، هيهات هيهات ، قد انقطعت اللذات ، وفنيت الشهوات ، وما بقي إلا الحسرات ، فتأمل أيها العبد فيما مضى من عمرك ، فما بقي في يدك منه إلا ما كان في طاعة مولاك ، من ذكرٍ ، ، أو تلاوةٍ ، أو صلاةٍ ، أو صيام ، أو علم نافع ، أو تعليم ، أو فكرة ، أو شهود ، وما سوى ذلك بطالة وخسران ، فالوقت الذي تصرفه في طاعة مولاك ذخائره موجودة ، وكنوزه مَذْخُورة ، والوقت الذي تصرفه في هوى نفسك ضائع ، تجيد حسرته يوم القيامة ، ففي الحديث : " ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مضت لهم ، لم يذكروا الله تعالى فيها " قال يحيى بن معاذ : أشد الناس عذاباً يوم القيامة من اغتر بحياته والْتَذَّ بمراداته ، وسكن إلى مألوفاته ، والله تعالى يقول : { أفرأيت إن متعناهم سنين … } الآية . وعن ميمون بن مهران : أنه لقي الحسن في الطواف ، وكان يتمنى لقاءه ، فقال له : عِظني ، فلم يزده على تلاوة هذه الآية ، فقال : لقد وَعظت فأبلغت . وعن عمر بن العزيز رضي الله عنه : أنه كان يقرؤها عند جلوسه ليحكم بين الناس . هـ . وبالله التوفيق . ثم تمَّم قوله : { وإنّه لتنزيل ربّ العالمين } ، بقوله : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ … }