Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 52-59)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : أسرى وسرى : لغتان ، وقرئ بهما . يقول الحق جل جلاله : { وأَوْحَيْنَا إلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ } بقطع الهمزة ووصلها أي : سر { بعبادي } ليلاً . وسماهم عباده لإيمانهم بنبيهم ، وذلك بعد إيمان السحرة بسنين ، أقام بين أظهرهم ، يدعوهم إلى الحق ويُظهر لهم الآيات ، ثم أمره بالخروج ، وقال : { إِنَّكُم مُّتَّبعُونَ } أي : يتبعكم فرعونُ وجنوده مصبحين ، فأسر بمن معك حتى لا يدركوكم قبل الوصول إلى البحر ، فيدخلوا مداخلكم ، فأُطبقه عليهم فأُغرقهم . رُوي أنه مات في تلك الليلة في كل بيت من بيوت القبط ولد ، فاشتغلوا بموتاهم حتى خرج موسى بقومه . ورُوي أن الله أوحى إلى موسى : أن أجمع بين إسرائيل ، كلّ أربعة ابيات في بيت ، ثم اذبحوا أولاد الضأن ، فاضربوا بدمائها على أبوابكم ، فإني سآمر الملائكة فلا تدخل بيتاً فيه دم ، وسآمرها فتقتل أبكار القبط ، وأخبزوا فطيراً فإنه أسرع لكم ، ثم أَسْرِ بعبادي حتى تنتهي إلى البحر فيأتيك أمري . هـ . وحكمة لطخ الدم ليتميز بيوت بني إسرائيل ، فلا تقتل الملائكة فيها أحداً . عاملهم على قدر عقولهم ، وإلا فالملك لا يخفى عليه ما أُمر به . { فأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ } حين أخبر بمسيرهم { في المدائن حاشرين } جامعين للعساكر ليتبعهم ، فلما اجتمعوا قال : { إنّ هؤلاء } ، يريد بني إسرائيل { لَشِرْذِمَةٌ } طائفة قليلة { قليلون } ، ذكرهم بالاسم الدالّ على القلة ، ثم جعلهم قليلاً بالوصف ، ثم جمع القليل فيدل على ان كل حزب منهم قليل . أو : أراد بالقلة : الذلة ، لا قلة العدد ، أي : إنهم لذلتهم ، لا يُبالي بهم ، ولا يتوقع غلبتهم . قال ابن عرفة : شرذمة : تقليل لهم باعتبار الكيفية ، وقليلون : باعتبار الكمية ، وإنما استقلّ قوم موسى - وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفاً - لكثرة مَن معه ، فعن الضحاك : كانوا سبعة آلاف ألف ، ورُوي أنه أرسل في أثرهم ألفَ ألف وخمسمائة ألف ملِك مُسوّر ، مع كل ملِك ألفٌ ، وخرج فرعون في جمع عظيم ، وكانت مقدمته سبعمائة ألف رجل على حصان ، وعلى رأسه بيضة . وعن ابن عباس رضي الله عنه : أنه خرج فرعون في ألف ألف حصان ، من سوى الإناث . هـ . { وإنهم لنا لغائظون } أي : فاعلون ما يغيظنا ، وتضيق به صدورنا ، وهو خروجهم من مصر ، وحملهم حُلينا ، وقتلهم أبكارنا ، { وإنا لجميع حاذِرُون } أي : ونحن قوم عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور ، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى إطفاء ثائرته وحسم فساده ، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن لئلا يظن العجز . وقرئ حذرون بالمد والقصر ، فالأول دال على تجدد الحذر ، والثاني على ثبوته . قال تعالى : { فأخرجناهم } أي : خلقنا فيهم داعية الخروج وحملناهم عليه ، { من جناتٍ } بساتين { وعيونٍ } ، وأنهار جارية ، { وكنوز } أموال وافرة من ذهب وفضة ، وسماها كنوزاً لأنهم لم يُنفقوا منها في طاعة الله تعالى شيئاً . { ومَقَامٍ كريم } أي : منزل رفيع بَهيّ ، وعن ابن عباس : المنابر . { كذلك } أي : الأمر كذلك ، أو : أخرجناهم مثل ذلك الإخراج العجيب ، فهو خبر ، أو : مصدر تشبيهي لأخرجنا . { وأورثنا بني إسرائيل } أي : ملكناها إياهم ، على طريقة تمليك مال الموروث للوارث لأنهم ملكوها من حين خروج أربابها عنها قبل أن يقبضوها . وعن الحسن : لما عبروا النهر رجعوا ، وأخذوا ديارهم وأموالهم . هـ . قال ابن جزي : لم يذكر في التواريخ مُلك بني إسرائيل لمصر ، وإنما المعروف أنهم ملكوا الشام ، فتأويله على هذا : أورثناهم مثل ذلك بالشام . هـ . قلت : بل التحقيق أنهم ملكوا التصرف في مصر ، ووصلت حكومتهم إليها ، ولم يرجعوا إليها . والله تعالى أعلم . الإشارة : لا ينتصر نبيّ ولا وليّ إلا بعد أن يهاجر من وطنه سُنّة الله التي قد خلت من قبل ، ولن تجد لسُنَّة الله تبديلاً ، والنصرة مقرونة مع الذلة والقلة { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة } . وبالله التوفيق . ثم ذكره معجزة فلق البحر ، وغرق فرعون ، فقال : { فَأَتْبَعُوهُم … }