Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 60-68)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { فأَتْبَعُوهم } أي : فأتبع فرعونُ وقومُه بني إسرائيل ، أي : لحقوا بهم ، وقرئ بشد التاء ، على الأصل ، { مُشْرِقين } داخلين في وقت شروق الشمس ، أي : طلوعها ، { فلما تراءى الجمعان } أي : تقابلا ، بحيث يرى كلُّ فريقٍ صاحبَه ، أي : بنو إسرائيل والقبط ، { قال أصحابُ موسى إنا لمدْرَكون } أي : قرب أن يلحقنا عدونا ، وأمامنا البحر ، { قال } موسى عليه السلام ثقة بوعد ربه : { كلاَّ } ارتدعوا عن سوء الظن بالله ، فلن يُدرككم أبداً ، { إنَّ معي ربي سيهدين } أي : سيهديني طريق النجاة منهم . رُوي أن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر هاجت الريح ، والبحر يرمي بموج مثل الجبال ، فقال يُوشع عليه السلام : يا كليم الله ، أين أُمرتَ ، فقد غَشِيَنَا فرعونُ ، والبحرُ أمامنا ؟ قال عليه السلام : ها هنا ، فخاض يُوشع الماء ، وضرب موسى بعصاه البحر ، فكان ما كان ، وقال الذي كان يكتم إيمانه يا مكلم الله أين أُمرتَ ؟ قال : ها هنا . فكبح فرسَه بلجامه ، ثم أقحمه البحر ، فرسب في الماء ، وذهب القومُ يصنعون مثل ذلك ، فلم يقدروا ، فجعل موسى لا يدري كيف يصنع ؟ فأوحى الله إليه : { أن اضرب بعصاك البحر } ، فضربه ، فانفلق ، فإذا الرجل واقف على فرسه ، لم يبتلَّ لِبْدُه ولا سَرْجه . وقال محمد بن حمزة : لما انتهى موسى إلى البحر ، دعا ، فقال : يا من كان قبل كل شيء ، والمكوّن لكلّ شيء ، والكائن بعد كلِّ شيء ، اجعل لنا مخرجاً ، فأوحى الله إليه : أن اضرب بعصاك البحر ، وذلك قوله تعالى : { فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحرَ } أي : القلزم ، أو النيل ، { فانفلق } أي : فضرب فانفلق وانشقَّ فصار اثني عشر فرقاً على عدد الأسباط . { فكان كلُّ فِرْقٍ } أي : جزء من الماء { كالطَّوْدِ } : كالجبل المنطاد في السماء { العظيم } ، وبين تلك الجبال من الماء مسالك ، بأن صار الماء مكفوفاً كالجامد ، وما بينها يَبَس ، فدخل كل سبط في شعْبٍ منها . { وأَزْلَفْنَا } أي : قَرَّبْنَا { ثَمَّ الآخرين } أي : فرعون وقومه ، حتى دخلوا على أثرهم مداخلهم ، { وأنجينا موسى ومَن معه أجمعين } من الغرق بحفظ البحر على تلك الهيئة ، حتى عبروه ، { ثُمَّ أغرقنا الآخرين } بإطباقه عليهم . قال النسفي : وفيه إبطالُ القول بتأثير الكواكب في الآجال وغيرها من الحوادث ، فإنهم اجتمعوا في الهلاك ، على اختلاف طوالعهم . رُوي أن جبريل عليه السلام كان بين بني إسرائيل وبين آل فرعون ، فكان يقول لبني إسرائيل : ليلحق آخركم بأولكم ، ويستقبل القبط فيقول : رويدكم ، ليلحَق آخركم . هـ . { إنَّ في ذلك لآيةً } أي : في جميع ما فصّل مما صدر عن موسى عليه السلام ، وما ظهر على يديه من المعجزات القاهرة ، وفيما فعل فرعونُ وقومه من الأفعال والأقوال ، وما فُعل بهم من العذاب والنكال ، لعبرة عظيمة ، لا تكاد تُوصف ، موجبة لأن يعتبر المعتبرون ، ويقيسوا شأن النبي صلى الله عليه وسلم بشأن موسى عليه السلام ، وحال أنفسهم بحال أولئك المهلكين ، ويجتنبوا تعاطي ما كانوا يتعاطونه من الكفر والمعاصي ومخالفة الرسول ، فيؤمنوا بالله تعالى ويطيعوا رسوله ، كي لا يحل بهم ما حلّ بأولئك ، أو : إن فيما فُصل من القصة من حيث حكايته عليه السلام إياها على ما هي عليه ، من غير أن يسمعها من أحد ، لآية عظيمة دالة على ان ذلك بطريق الوحي الصادق ، موجبة للإيمان بالله تعالى ، وتصديق من جاء بها وطاعته . { وما كان أكثرُهُم مؤمنين } أي : وما كان اكثر هؤلاء المكذبين الذين سمعوا قِصَصهم منه - عليه الصلاة والسلام - مؤمنين ، فلم يقيسوا حاله صلى الله عليه وسلم بحال موسى ، وحال أنفسهم بحال أولئك المهلَكين ، ولم يتدبروا في حكايته صلى الله عليه وسلم لقصتهم من غير أن يسمعها من أحد ، مع كونه أمياً لا يقرأ ، وكل من الطريقين مما يؤدي إلى الإيمان ، قطعاً لانهماكهم في الغفلة ، فكان على هذا ، زائدة ، كما هو رأي سيبوبه ، فيكون قوله تعالى : { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ] وهو إخبار منه تعالى بعدم إيمانهم في المستقبل ، أو : وما كان أكثر أهل مصر مؤمنين بموسى عليه السلام ، قال مقاتل : لم يؤمن من أهل مصر غير رجل وامرأتين حزيقل المؤمن من آل فرعون ، وآسية امرأة فرعون ، ومريم بنت ياموشى ، التي دَلَّتْ على عظام يوسف . هـ . { وإن ربك لهو العزيز } الغالب على كل ما يريد من الأمور ، التي من جملتها : الانتقام من المكذبين ، { الرحيم } البالغ في الرحمة ، ولذلك أمهلهم ولم يعاجل عقوبتهم ، أو : العزيز بالانتقام من أعدائه ، الرحيم بالانتصار لأوليائه . جعلنا الله من خاصتهم بمنِّه وكرمه ، آمين . الإشارة : قوله تعالى : { إن معي ربي سيهدين } : اعلم أن المعية تختلف باختلاف المقام ، فالمعية ، باعتبار عامة الخلق ، تكون بالإحاطة والقهرية والعلم والإقتدار ، وباعتبار الخاصة تكون بالحفظ والرعاية والنصر والمعونة . فمن تحقق أن الله معه بعلمه وحفظه ورعايته اكتفى بعلمه ، وفوض الأمر إلى سيده ، وكلما قوي التفويض والتسليم دلّ على رفع المقام ، ولذلك فضَّل ما حكاه الحق تعالى عن حبيبه بقوله : { إِنَّ اللهَ مَعَنَا } [ التوبة : 40 ] ، على ما حكى عن كليمه بزيادة قوله : { سيهدين } فتأمل . والله تعالى أعلم . ثم ذكر قصة إبراهيم لما فيها من الردّ على أهل الشرك تقبيحاً لما عليه قريش والعرب مع كونهم من ذريته ، فقال : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ … }