Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 62-62)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الاضطرار : الافتعال من الضرورة ، وهي الحاجة المحوجة إلى اللجأ ، يقال : اضطره إلى كذا ، واسم الفاعل والمفعول : مضطر ، ويختلف التقدير . يقول الحق جل جلاله : { أَمَّنْ يُجيبُ المُضْطَّر إِذا دعاه } ، وهو من نزلت به شدة من شدائد الزمان ، ألجأته إلى الدعاء والتضرع ، كمرض ، أو فقر ، أو نازلة من نوازل الدهر ونوائبه ، أو : المذنب إذا استغفر مبتهلاً ، أو : المظلوم إذا دعا ، أو : من رفع يديه ولم ير لنفسه حسنة يرجو بها القبول غير التوحيد ، وهو منه على خطر ، فهذه أنواع المضطر . وإجابة دعوته مقيدة بالحديث : " الدّاعِي عَلَى ثَلاث مراتب ، إما أن يُعجل له ما طلب ، وإما أن يدخر له أفضل منه ، وإما يدفع عنه من السوء مثله " وأيضاً : إذا حصل الاضطرار الحقيقي حصلت الإجابة قطعاً ، إما بعين المطلوب ، أو بما هو أتم منه ، وهو الرضا والتأييد . { ويكشفُ السُوءَ } وهو الذي يعتري الإنسان مما يسؤوه ، كضرر أو جَور ، { ويجعَلُكم خُلفاءَ الأرض } أي : خلفاء فيها ، تتصرفون فيها كيف شئتم ، بالسكنى وغيره ، وراثة عمن كان قبلكم من الأمم ، قرناً بعد قرن : أو : أو أراد بالخلافة الملك والتسلط . { أإله مع الله } الذي يفيض على الخلق هذه النعام الجسام ، يمكن أن يعطيكم مثلها ؟ { قليلاً ما تذكَّرون } أي : تذكراً قليلاً ، أو : زماناً قليلاً تتذكرون فيه . و " ما " : مزيدة ، لتأكيد معنى القلة ، التي أريد بها العدم ، أو : ما يجري مجراه في الحقارة وعدم الجدوى . وتذييل الكلام بنفي عدم التذكر منهم إيذان بأن وجود التذكر مركوز في ذهن كل ذكي ، وأنه من الوضوح بحيث لا يتوقف إلا على التوجه إليه وتذكره . والله تعالى أعلم . الإشارة : الاضطرار الحقيقي الذي لا تتخلف الإجابة عنه في الغالب : وهو أن يكون العبد في حال شدته كالغريق في البحر وحده ، لا يرى لغياثه غير سيده . و قال ذو النون : هو الذي قطع العلائق عما دون الله . وقال سهل بن عبد الله : هو الذي رفع يديه إلى الله تعالى داعياً ، ولم تكن له وسيلة من طاعة قدّمها . هـ . بل يقدم إساءته بين يديه ، ليكون دعاؤه بلا شيء يستحق عليه الإجابة ، إلا من محض الكرم . قال القشيري : يقال للجناية : سراية ، فَمَن كان في الجناية مختاراً ، فليس يسلم له دعوى الاضطرار عند سراية جرمه الذي سلف ، وهو في ذلك مختار ، فأكثر الناس أنهم مضطرون ، وذلك الاضطرار سراية ما بَرَزَ منهم في حال اختيارهم ، وما دام العبد يتوهم من نفسه شيئاً من الحَوْلِ والحِيل ، ويرى لنفسه شيئاً من الأسباب يعتمد عليه ، ويستند إليه ، فليس بمضطر ، إلا أن يرى نفسه كالغريق في البحر ، والضَّالِّ في المتاهة . والمضطر يرى غِيَاثه بيد سَيِّدهِ ، وزِمَامَه في قبضته ، كالميت في يد غاسِله ، ولا يرى لنفسه استحقاقاً في أن يجاب ، بل اعتقاده في نفسه أنه من أهل السخط ، ولا يقرأ اسمه في ديوان السعادة ، ولا ينبغي للمضطر أن يستعين بأحدٍ في أن يدعو له لأن الله وَعَدَ الإجابة له لا من يدعو له . هـ . وبحث معه المحشي الفاسي في بعض ألفاظه ، فانظره . قوله تعالى : { ويكشف السُوء } : أي : ما يسوء القلب وبحجبه عن مولاه ، من أكدار وأغيار ، وقوله : { ويجعلكم خلفاء الأرض } أي : تتصرفون في الوجود بأسره ، بهمتكم ، إن زال غم الحجاب عنكم ، وشاهدتم ربكم بعين بصيرتكم وبصركم لأن نور البصيرة إذا استولى على البصر ، بعد فتح البصيرة ، غطى نوره ، فلا يرى البصر إلا ما تراه البصيرة من أسرار الذات الأزلية القديمة . فمن بلغ هذا المقام كان خليفة الله في أرضه ، يُملكه الوجود بأسره وما ذلك على الله بعزيز . ثم ذكر نوعاً آخر من دلائل توحيده ، فقال : { أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ … }