Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 64-65)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " من " : إما فاعل بيعلم ، و " الغيب " : بدل منه ، و " الله " : مفعول ، و " إلا الله " : بدل على لغة تميم ، أي : إبدال المنقطع ، وإما مفعول بيعلم ، و " الغيب " بدل منه والله : فاعل ، والاستثناء : مفرغ . يقول الحق جل جلاله : { أمّن يبدأُ الخلقَ } أي : ينشىء الخلق { ثم يُعيده } بعد الموت بالبعث . وإنما قيل لهم : { ثم يُعيده } وهم منكرون للإعادة لأنهم أزيحتْ شبهتهم بالتمكن من المعرفة ، والإقرار ، فلم يبقَ لهم عذرٌ في الإنكار . { ومن يرزقكم من السماء } بالمطر { والأرض } أي : ومن الأرض بالنبات ، أي : يرزقكم بأسباب سماوية وأرضية ، قد رتبها على ترتيب بديع ، تقضيه الحكمة التي عليها بني أمر التكوين ، { أإله مع الله } يفعل ذلك ؟ { قل هاتُوا بُرهانَكم } أي : حجتكم ، عقلية أو نقلية ، على إشراككم ، { إن كنتم صادقين } في دعواكم أن مع الله إلهاً آخر . { قل لا يعلم مَنْ في السماوات والأرضِ الغيبَ إلا الله } ، بعد ما حقق سبحانه انفراده بالألوهية ، ببيان اختصاصه بالقدرة الكاملة والرحمة الشاملة عقَّب بذكر ما هو من لوازمه وهو اختصاصه بعلم الغيب ، تكميلاً لما قبله ، وتمهيداً لما بعده من أمر البعث . قالت عائشة - رضي الله عنها - : منْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ ، فَقَدْ أعْظَمَ عَلَى اللهِ الفِرْيةَ ، والله تعالى يقول : { قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيبَ إلا الله } . دخل على الحجاج مُنجِّم فأخذ الحجاج حصياتٍ ، قد عدَّها فقال للمنجم : كم في يدي ؟ فحسب ، فأصاب ، ثم اغتفله الحجاجُ ، فأخذ حصيات لم يعدها ، فقال للمنجم : كم في يدي ؟ فحسب ، فأخطأ ، فقال : أيها الأمير أظنك لا تعرف عددها في يدك ، فقال : ما الفرق بينهما ؟ فقال : إن ذلك أحصيتَه فخرج من حَد الغيب فحسبتُ فأصبتُ وإن هذا لم تعرف عدته ، فصار غيباً ، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى . ومن جملة الغيب : قيام الساعة ، ولذلك قال : { وما يشعرون أيّان يُبعثون } أي : متى ينتشرون من القبور ، مع كونه مما لا بد لهم منه ، ومن أهل الأمور عندهم . والله تعالى أعلم . الإشارة : الرزق ثلاثة : رزق الأشباح ، ورزق القلوب ، ورزق الأرواح ، فرزق الأشباح معلوم ، ورزق القلوب : اليقين والطمأنينة ، ورزق الأرواح : المشاهدة والمكالمة . قُل من يرزق قلوبكم وأرواحكم من سماء غيب القدرة وأرض الحكمة ؟ فلا رازق سواه ، ولا برهان على وجود ما سواه ، ولا يعلم الغيب إلا الله . أو : من كان وجوده بالله قد غاب في نور الله ، فَشَهِدَ الغيب بالله . والله تعالى أعلم . ولما نفى عنه علم الغيب ، والشعور بمآلهم ، أضرب عنه ، وبيّن أن ما تناهى فيه أسباب العلم به ، وهو مجيء يوم القيامة ، لم يحصل لهم به يقين ، فضلاً عن غيره ، فقال : { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ … }