Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 66-68)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : قرأ الجمهور : " ادّارَكَ " بالمد ، وأصله : تدارك ، فأدغمت التاء في الدال ، ودخلت همزة وصل . وقرأ عاصم في رواية أبي بكر : " ادّرك " ، وأصله : افتعل ، بمعنى تفاعل . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : " أدرك " أفعل . يقول الحق جل جلاله : { بل ادّارك } أي : تدارك وتناهى وتتابع أسباب { عِلْمُهم في الآخرة } أي : بالآخرة ، أو : في شأنها ، بما ذكرنا لهم من البراهين القطعية ، والحجج العقلية ، على كمال قدرتنا . ومع ذلك لم يحصل لهم بها يقين ، { بل هم في شكٍّ منها } ، والمعنى : أن أسباب استحكام العلم وتكامله بأن القيامة لا ريب فيها قد حصلت لهم ومكّنوا من معرفته بما تتابع لهم من الدلائل . زمع ذلك لم يحصل لهم شيء من علمها ، بل شكّوا . أو : أدرك علمهم ، بمعنى : يدركهم في الآخرة حين يرون الأمر عياناً ، ولا ينفعهم ذلك . قاله ابن عباس وغيره . { بل هم } اليوم { في شكٍّ منها بل هم منها عَمُونَ } لا يُبصرون دلائلها ، ولا يلتفتون إلى العمل لها . والإضرابات الثلاثة تنزيل لأحوالهم ، وتأكيد لجهلهم . وصفهم أولاً بأنهم لا يشعرون بوقت البعث ، ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة مع تتابع أسباب علمها ، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية ، ثم بما هو اسوأ حالاً ، وهو العمى ، وجعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه ، فلذا عداه بـ " من " دون " عن " لأن الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي منعهم عن التفكر والتدبر . ووجه اتصال مضمون هذه الآية - وهو وصف المشركين - بإنكارهم البعث مع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة بما قبله ، وهو اختصاصه تعالى بعلم الغيب ، وأن العباد لا علم لهم بشيء بذلك : هو أنه لما ذكر أن العباد لا يعلمون الغيب ، وكان هذا بياناً لعجزهم ، ووصفاً لقصور علمهم ، وصل به أن عندهم عجزاً أبلغ منه ، وهو أنهم يقولون للكائن الذي لا بد من كونه - وهو وقت بعثهم ، ومجازاتهم على أعمالهم : لا يكون ، مع أن عندهم أسباب معرفة كونه ، لا محالة . هـ . قاله النسفي . { وقال الذين كفروا أئذا كنا تراباً وآباؤنا أئنا لمخرَجُونَ } أي : أنُخرج من القبور أحياء إذا صرنا تراباً وآباؤنا . وتكرير الاستفهام في " أئذا " و " أَئِنا " في قراءة عاصم ، وحمزة وخلف ، إنكار بعد إنكار ، وجحود بعد جحود ، ودليل على كفر مؤكد مبالغ فيه . والعامل في إذا : مادلّ عليه { لمخرجون } وهو : نُخرج ، لا مخرجون ، لموانع كثيرة . والضمير في " أئنا " لهم ولآبائهم . { لقد وُعِدْنَا هذا } البعث { نحن وآباؤنا من قبلُ } من قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، قدّم هنا " هذا " على " نحن " وفي المؤمنون قدّم " نحن " ليدل هنا أن المقصود بالذكر هو البعث وثمَّ المبعوث لأن هنا تكررت أدلة البعث قبل هذا القول كثيراً ، فاعتنى به بخلاف " ثم " . ثم قالوا : { إنْ هذا إلا أساطيرُ الأولينَ } : ما هذا إلا أحاديثهم وأكاذيبهم . وقد كذبوا ، ورب الكعبة . الإشارة : العلم بالآخرة يَقْوى بقوة العلم بالله ، فكلما قوي اليقين في جانب الله قوي اليقين في جانب ما وعد الله به من الأمور الغيبية ، فأهل العلم بالله الحقيقي أمور الآخرة عندهم نُصب أعينهم ، واقعة في نظرهم لقوة يقينهم . وانظر إلى قول حارثة رضي الله عنه حين " قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما حقيقة إيمانك ؟ " فقال : يا رسول الله عزَفَتُ الدنيا من قلبي ، فاستوى عندي وذهبها ومدرها . ثم قال : وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وأهل النار يتعاوون فيها ، فقال له صلى الله عليه وسلم : " قد عرفت فالزمْ ، عبدٌ نوّر الله قلبَه " اللهم نَوِّر قلوبنا بأنوار معرفتك الكاملة ، حتى نلقاك على عين اليقين وحق اليقين . آمين . ثم أمرهم بالاعتبار بمن قبلهم ، فقال : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَاْنظُرُواْ … }