Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 69-73)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { قُلْ } لهم : { سيروا في الأرض فانظر كيف كانت عاقبةُ المجرمين } بسبب تكذيبهم للرسل - عليهم السلام - فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله - عز وجل - وحده ، واليوم الآخر ، الذي ينكرونه ، فإن في مشاهدة عاقبتهم ما فيه كفاية لأولي البصائر . وفي التعبير عن المكذبين بالمجرمين ، لطف بالمسلمين ، بترك الجرائم ، وحث لهم على الفرار منها ، كقوله : { فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ } [ الشمس : 14 ] و { مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ } [ نوح : 25 ] . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { ولا تحزنْ عليهم } أي : لأجل أنهم لم يتبعوك ، ولم يُسْلِموا فَيَسْلَمُوا . { ولا تكن في ضَيْقٍ } في حرج صدر { مما يمكرون } من مكرهم وكيدهم ، أي : فإن الله يعصمك من الناس . يقال : ضاق ضيقاً - بالفتح والكسر . { ويقولون متى هذا الوعدُ } أي : وعد العذاب التي تعدنا ، إن كنت من الصادقين في إخبارك بإتيانه على من كذّب . والجملة باعتبار شركة المؤمنين في الإخبار بذلك . { قل عسى أن يكون رَدِفَ لكم بعضُ الذي تستعجلون } أي : تبعكم ولحقكم . استعجلوا العذاب ، فقيل لهم : عسى أن يكون رَدِفَ ، أي : قرب لكم بعضه . وهو عذاب يوم بدر ، واللام زائدة للتأكيد . أو : ضمّن الفعل معنى يتعدّى باللام ، نحو : دنا لكم ، أو : أزف لكم . وعسى ولعل وسوف ، في وعد الملوك ووعيدهم ، يدل على صدق الأمر ، وجدّه ، وعلى ذلك جرى وعد الله ، ووعيده . { وإن ربك لذُو فضلٍ على الناس } أي : إفضال وإنعام على كافة الناس . ومن جملة إنعامه : تأخير العقوبة عن هؤلاء ، بعد استعجالهم لها ، { ولكنَّ أكثرهم لا يشكرون } أي : أكثرهم لا يعرفون حق النعمة ، ولا يشكرونها ، فيستعجلون بجهلهم وقوع العذاب ، كدأب هؤلاء . والله تعالى أعلم . الإشارة : التفكر والاعتبار من أفضل عبادة الأبرار ، ساعة منه أفضل من عبادة سبعين سنة . ومن أجلّ ما يتفكر فيه الإنسان : ما جرى على أهل الغفلة والبطالة والعصيان ، من تجرع كأس الحِمام ، قبل النزوع والإقلاع عن الإجرام ، فندموا حيث لم ينفع الندم ، وقد زلَّت بهم القدم ، فلا ما كانوا أمَّلوا أدركوا ، ولا إلى ما فاتهم من الأعمال الصالحات رجعوا . فليعتبر الإنسان بحالتهم ، لئلا يجري عليه ما جرى عليهم ، وليبادر بالتوبة إلى ربه ، وليشهد يده على أوقات عمره ، قبل أن تنقضي في البطالة والتقصير ، فيمضي عمره سبهللاً . ولله در القائل : @ السِّبَاق السِّبَاقَ قَوْلاً وَفِعْلاً حَذِّرِ النَّفْسَ حَسْرةً المسْبُوقِ @@ قال أبو على الدقاق رضي الله عنه : رؤي بعضهم مجتهداً ، فقيل له في ذلك ، فقال : ومن أولى مني بالجهد ، وأنا أطمع أن ألحق الأبرار الكبار من السلف . هـ . ويقال للواعظ أو للعارف ، إذا رأى إدبار الناس عن الله ، وإقبالهم على الهوى : { ولا تحزن عليهم … } الآية . ثم ذكر سعة علمه وحلمه ، فقال : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ … }