Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 83-86)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " ماذا " تأتي على أوجه أحَدُها : أن تكون " ما " : استفهاماً ، و " ذا " : إشارة نحو : ماذا التواني . الثاني : أن تكون " ما " : استفهاماً ، و " ذا " : موصولة ، كقول لبيد : @ ألا تَسْأَلانِ المرْءَ ماذا يُحاوِلُ ؟ أَنَحْبٌ فَيُقْضَى ، أَمْ ضَلالٌ وباطِلُ ؟ @@ الثالث : " ماذا " كله : استفهام على التركيب ، كقولك : لماذا جئت ؟ . الرابع : أن تكون " ماذا " كله : اسم جنس بمعنى شيء أو : بمعنى " الذي " كقوله : دعني ماذا علمت ؟ ، وتكون " ذا " زائدة . انظر القاموس . يقول الحق جل جلاله : { و } اذكر { يوم نحشُرُ من كل إمةٍ فوجاً } ، الفوج ، الجماعة الكثيرة . و " مِنْ " : للتبعيض ، أي : واذكر يوم نجمع من كل أمة من أمم الأنبياء جماعة كثيرة { ممن يُكَذِبُ بآياتنا } ، " مِن " : لبيان الفوج ، أي : فوجاً مكذبين بآياتنا ، المنزلة على أنبيائنا ، { فهم يُوزَعُون } : يُحبس أولهم على آخرهم ، حتى يجتمعوا ، حين يُساقون إلى موضع الحساب . وهذه عبارة عن كثرة العدد ، وتباعد أطرافهم ، والمراد بهذا الحشر : الحشر للعذاب ، والتوبيخ والمناقشة ، بعد الحشر الكلي ، الشامل لكافة الخلق . وعن ابن عباس : المراد بهذا الفوج : أبو جهل ، والوليد بن المغيرة ، وشيبة بن ربيعة ، يُساقون بين يدي أهل مكة وهكذا يُحشر قادة سائر الأمم بين أيديهم إلى النار . { حتى إِذا جاؤوا } إلى موقف السؤال والجواب ، والمناقشة والحساب ، { قال } أي : الله عز وجل ، موبخاً لهم على التكذيب : { أَكَذَّبتم بآياتي } المنزلة على رسلي ، الناطقة بلقاء يومكم ، { و } الحال أنكم { لم تُحيطوا بها علماً } أي : أكذبتم بها في بادئ الرأي ، من غير فكر ، ولا نظر ، يؤدي إلى إحاطة العلم بكنهها ، وأنها حقيقة بالتصديق حتماً . وهذا نص في أن المراد بالآيات في الموضعين هي الآيات القرآنية . وقيل : هو عطف على " كذبتم " ، أي : أجمعتم بين التكذيب وعدم التدبر فيها . { أم ماذا كنتم تعملون } ؟ حيث لم تتفكروا فيها ، فإنكم لم تُخلقوا عبثاً . أو : أيُّ شيء كنتم تعملون ، استفهام ، على معنى استبعاد الحجج ، أي : إن كانت لكم حجة وعمل فهاتوا ذلك . وخطابهم بهذا تبكيت لهم . ثم يُكبون في النار ، وذلك قوله تعالى : { ووقع القولُ عليهم } أي : حلَّ بهم العذاب ، الذي هو مدلول القول الناطق بحلوله ونزوله ، { بما ظَلموا } : بسبب ظلمهم ، الذي هو تكذيبهم بآيات الله { فهم لا ينطقون } لانقطاعهم عن الجواب بالكلية ، وابتلائهم بشغل شاغل من العذاب الأليم ، يشغلهم العذاب عن النطق والاعتذار . ثم ذكر دلائل قدرته على البعث ، وما ينشأ بعد ذلك ، بقوله : { ألم يروا أنَّا جعلنا الليلَ ليَسكُنوا فيه } ، الرؤية هنا قلبية ، أي : ألم يعلموا أنا جعلنا الليل بما فيه من الإظلام ليستريحوا فيه بالنوم والقرار . { والنهارَ مبصراً } أي : يُبصروا ، بما فيه من الإضاءة ، طرق التقلب في أمور المعاش . وبولغ فيه ، حيث جعل الإبصار الذي هو حال الناس ، حالاً له ، ووصفاً من أوصافه ، بحيث لا ينفك عنها ، ولم يسلك في الليل هذا المسلك لأن تأثير ظلام الليل في السكون ليس بمثابة تأثير النهار في الإبصار . قاله أبو السعود . قلت : وقد جعله كذلك في قوله : { وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً } [ الأنعام : 96 ] فانظره . { إنَّ في ذلك لآياتٍ } كثيرة { لقوم يؤمنون } يُصدِّقون ، فيعتبرون ، فإنَّ من تأمل في تعاقب الليل والنهار ، واختلافهما على وجوه بديعة ، مبنية على حِكَمٍ رائقة ، تحار في فهمها العقول ، وشاهد في الآفاق تبدل ظلمة الليل ، المحاكية للموت ، بضياء النهار ، المضاهي للحياة ، وعاين في نفسه غلبة النوم ، الذي هو يضاهي الموت ، وانتباهه منه ، الذي هو يضاهي البعث ، قضى بأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور . قال لقمان لابنه : يا بُني إن كنت تشك في الموت فلا تنم ، فكما أنك تنام قهراً كذلك تموت ، وإن كنت تشك في البعث فلا تنتبه ، فكما أنك تنتبه بعد نومك كذلك تُبعث بعد موتك هـ . وبالله التوفيق . الإشارة : يوم نَحشر من كل أمة فوجاً يُنكر على أهل الخصوصية ، ممن يكذب بآياتنا ، وهم العارفون بنا ، الدالون علينا ، المعرِّفون بنا ، فهم يُوزعون : يُجمعون للعتاب ، حتى إذا جاؤوا إلينا بقلب سقيم ، قال : أكذَّبتم بأوليائي ، الدالين على حضرتي ، بعد التطهير والتهذيب ، ولم تُحيطوا بهم علماً ، منعكم من ذلك حب الرئاسة والجاه ، أم ماذا كنتم تعملون ؟ . ووقع القول عليهم بالبقاء مع عامة أهل الحجاب ، فهم لا ينطقون ، ولا يجدون اعتذاراً يُقبل منهم . ألم يعلموا أنهم يموتون على ما عاشوا عليه ، ويُبعثون على ما ماتوا عليه ، فهلاّ صحبوا أهل اليقين الكبير ، - وهو عين اليقين أو حق اليقين المستفاد من شهود الذات الأقدس - فيكتسبوا منهم اليقين ، حتى يموتوا على اليقين ويُبعثوا على اليقين . وبالله التوفيق . ثم ذكر النفخ في الصور ، وما يكون بعده من الأهوال ، فقال : { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ … }