Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 33-35)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { قال } موسى - لما كُلف بالرسالة إلى فرعون : { ربِّ إني قتلتُ منهم نفساً فأخاف أن يقتلونِ } بها ، { وأخي هارونُ هو أفصح من لساناً فأرسِلْه معي رِدْءاً } أي : عوناً . يقال : ردأته : أعنته . وقرأ نافع : بالتخفيف ، { يُصَدِّقني } : جواب الأمر ، ومن رفعه جعله صفة لردء ، أي : ردءاً مصدقاً لي . ومعنى تصديقه : إعانته بزيادة البيان ، في مظان الجدال ، إن احتاج إليه ليثبت دعواه ، لا أن يقول له : صدقت ، ففضل اللسان إنما يحتاج إليه لتقرير البرهان ، وأما قوله : صدقت فسَحْبَانُ وبَاقِلٌ فيه مستويان . { إِني أخاف أن يُكذبون } في دعوى الرسالة . { قال ستنشُدُّ عَضُدَك بأخيك } أي : سنقويك به إذ اليد تشد بشدة العضد لأنه قوام اليد ، فشد العضد كناية عن التقوية لأن العضد ، إذا اشتد ، قَوِيَ على محاولة الأمور ، أي : سنعينك بأخيك ، { ونجعلُ لكما سلطاناً } غلبة وتسلطاً وهيبة في قلوب الأعداء ، { فلا يَصِلُون إليكما بآياتنا } بسبب آياتنا ، القاهرة لهم عن التسلط عليكم ، فالباء تتعلق بيصلون ، أو : بنجعل لكما سلطاناً ، أي : تسلطاً بآياتنا ، أو : بمحذوف ، أي : اذهبا بآياتنا ، أو : هو بيان لغالبون ، أي : { أنتما ومن اتبعكما الغالبون } ، أي : المنصورون . الإشارة : إذا اجتمع في زمانٍ نبيان ، أو : وليان ، لا تجدهما إلا متخالفين في القوة والليونة ، أو في السكر والصحو ، فكان مُوسَى في غاية القوة ، وأخوه في غاية الليونة ، وكان موسى عليه السلام في أول الرسالة غالباً عليه الجذب ، وأخوه غالباً عليه الصحو ، فلذلك استعان به . قال الورتجبي : افهَمْ أن مقام الفصاحة هو مقام الصحو والتمكين ، الذي يقدر صاحبه أن يخبر عن الحق وأسراره ، بعبارة لا تكون بشيعة في موازين العلم . وهذا حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث قال : " أنا أفصح العرب " و " بُعثتُ بجوامع الكلم " وهذه قدرته قادرية اتصف بها العارف المتمكن ، الذي بلغ مشاهدة الخاص ، ومخاطبة الخاص ، وكان موسى عليه السلام في محل السكر في ذلك الوقت ، ولم يطق أن يعبر عن حاله كما كان لأن كلامه ، لو خرج على وزان حاله ، يكون على نعوت الشطح ، عظيماً في آذان الخلق ، وكلام السكران ربما يفتتن به الخلق ، لذلك سأل مقام الصحو والتمكين بقوله : { واحلل عقدة من لساني } لأن كلامه من بحر المكافحة والمواجهة الخاصة ، التي كان مخصوصاً بها عن أخيه . هـ . ثم ذكر عناد فرعون وتجبّره ، فقال : { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا … }