Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 52-55)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الذين : مبتدأ ، وهم به : خبر . يقول الحق جل جلاله : { الذين آتيناهم الكتابَ مِن قبله } من قبل القرآن { هُم به } أي : القرآن { يؤمنون } ، وهم مؤمنو أهلِ الكتاب ، أو : النجاشي وقومه ، أو : نصارى نجران ، الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وهم عشرون رجلاً ، فآمنوا به . قال ابن عطية : ذكر هؤلاء مُبَاهياً بهم قريشاً . هـ . أي : فهم الذين يُقدرون قدر هذا الكتاب المنزل لِمَا معهم من العلم الذي ميزوا به الحق ، ولذلك قال : { وإِذا يُتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا } لِمَا عرفوا في كتابهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم وكتابه ، { إِنَّا كنا من قبله } من قبل القرآن ، أو : من قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، { مسلمين } كائنين على دين الإسلام ، مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم . فقوله { إِنه } : تعليل للإيمان به لأن كَوْنَهُ حقاً من عند الله حقيق بأن يُؤْمَنَ به . وقوله : { إِنا } : بيان لقوله : { آمنا } لأنه يحتمل أن يكون إيماناً قريب العهد أو بعيده ، فأخبروه بأن إيمانهم به متقادم . { أولئك يُوْتَون أجرَهم مرتين بما صبروا } بصبرهم على الإيمان بالتوراة ، والإيمان بالقرآن ، أو : بصبرهم على الإيمان بالقرآن ، قبل نزوله وبعده ، أو بصبرهم على أذى المشركين وأهل الكتاب . وفي الحديث : " ثلاثةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ، ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ورجل مملوك أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل كانت عنده أمَةٌ فأعتقتها وتزوجها " . { ويدرؤون بالحسنةِ السيئةَ } يدفعون الخصلة القبيحة بالخصلة الحسنة ، يدفعون الأذى بالسِلم ، والمعصية بالطاعة . { ومما رزقناهم ينفقون } يتصدقون ، أو يزكون ، { وإذا سمعوا اللغْوَ } الباطل ، أو الشتم من المشركين ، { أعْرضوا عنه وقالوا } للاغين : { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلامٌ عليكم } أمان منا عليكم ، لا نقابل لغوكم بمثله ، { لا نبتغي الجاهلين } لا نريد مخالطتهم وصحبتهم ، أو : لا نبتغي دين الجاهلين ، أو محاورة الجاهلين وجدالهم ، أو : لا نريد أن نكون جهالاً . وفي السَير : أن أصحاب النجاشي لَمَّا كلمهم جعفر رضي الله عنه في مجمع النجاشي ، بَكَوْا ، ووقر الإسلام في قلوبهم ، فقدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فقرأ عليهم القرآن ، فأسلموا وقالوا : { آمنا به إنه الحق من ربنا … } الآية . فلما خرجوا من عنده صلى الله عليه وسلم استقبلتهم قريش فسبوهم ، وقالوا : ما رأينا قوماً أحمق منكم ، تركتم دينكم لمجلس ساعة مع هذا الرجل ، فقالوا لهم : { سلام عليكم … } إلخ . الإشارة : مَنْ تَحَمَّلَ من العلماء مشقة تَحَمُّلِ العلمِ الظاهر ، ثم ركب أهواء النفس ومحاربتَها في تحصيل العلم الباطن ، فهو ممن يُوتى أجره مرتين ، وينال عز الدارين ضعفين بسبب صبره على العِلْمَيْن ، وارتكاب الذل مرتين ، إذا اتصف بما اتصف به أولئك ، بحيث يدرأ بالحسنة السيئة ، وينفق مما رزقه الله من الحس والمعنى ، كالعلوم والمواهب ، ويعرض عن اللغو - وهو كل ما يشغل عن شهود الله - ويحلم عن الجاهل ، ويرفق بالسائل . وبالله التوفيق . ولما حرص صلى الله عليه وسلم على إسلام عمه ، نزل : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ … }