Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 56-56)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { إنك } يا محمد { لا تهدي من أحببتَ } ، أي : لا تقدر أن تُدخل في الإسلام كل من أحببت أن يدخل من قومك وغيرهم ، يعني : أن خاصية الهداية خاصة بالربوبية ، وخاصية الربوبية لا تكون لمخلوق ، ولو كان أكمل الخلق . { ولكنَّ الله يهدي من يشاء } يخلق الهداية في قلب من يشاء ، { وهو أعلم بالمهتدين } بمن يختار هدايته ويقبلها . قال الزجاج : اجمع المفسرون أنها نزلت في أبي طالب ، وذلك أنه قال عند موته : يا معشر بني هاشم صدقوا محمداً تُفلحوا ، فقال صلى الله عليه وسلم : " يا عَمّ تأمُرُهُم بالنَّصِيحة لأنفسهم وتَدعُها لنفسك ! " فقال : ما تريد يا ابن أخي ؟ فقال : " أُريدُ منك أن تقُول : لا إله إلا الله ، أشْهَدُ لك بها عِنْدَ اللهِ " فقال : يا ابن أخي أنا قد علمت أنك صادق ، ولكن أكره أن يقال جزع عند الموت . هـ . وفي رواية قال : لولا أن تُعيرني نساء قريش ، ويقلن : إنه حملني على ذلك الجزع ، لأقررتُ بها عينك . وفي لفظ آخر عند البخاري : قال له : " يا عم ، قُل : لا إله إلا الله ، أُحاجُّ لك بها عند الله " فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية : يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فقال : بل على ملّة عبد المطلب ، فنزلت الآية . وفيها دليل على المعتزلة لأنهم يقولون : الهدى هو البيان ، وقد هدى الله الناس أجمع ، ولكنهم لم يهتدوا بسوء اختيارهم ، فدلت الآية على أن وراء البيان ما يسمى هداية وهو خلق الاهتداء ، وإعطاء التوفيق والقدرة على الاهتداء . وبالله التوفيق . الإشارة : الآية ليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، بل هي عامة لكل من يريد الهداية لأحد من خاصته ، كتب شيخ أشياخنا ، سيدي " أحمد بن عبد الله " ، إلى شيخه ، سيدي " أحمد بن سعيد الهبري " يشكو له ابنه حيث لم ير منه ما تقر به عينه ، فكتب إليه : أخبرني : ما الذي بَنَيْتَ فيه ؟ دع الدار لبانيها ، إن شاء هدمها وإن شاء بناها . هـ . وفي اللباب - بعد كلام - : قد رضي الله على أقوام في الأزل ، فاستعلمهم في أسباب الرضا من غير سبب ، وسَخِطَ على أقوام في الأزل ، فاستعملهم في أسباب السَّخَطِ بلا سبب . { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } [ الأنعام : 125 ] الآية . وهذه الآية تخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولها : { إنك لا تَهْدي من أحببت } ، والحكم عام في كل أحد ، وقد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأتم الفضائل وأعلى الوسائل ، حتى لم يُسْبَقْ لفضيلة ، ولم يَحْتَجْ لوسيلة ، وليس في ذلك نظر ، بل سابقة السعادة أيدته ، والخصوصية قرَّبته ، ولو كان له في التقدير نظر ما مُنع من الشفاعة في عمه أبي طالب ، ومن الاستغفار لأبيه . ولو كانت الهداية بيد آدم لهدى قابيل ، ولو كانت بيد نوح لهدى ولده كنعان ، أو بيد إبراهيم لهدى أباه آزر ، أو بيد محمد صلى الله عليه وسلم لأنقذ عمه أبا طالب ، جذبت العنايةُ سلمان من فارس ، وصاحت على بلال من الحبشة ، وأبو طالب على الباب ممنوع من الدخول . سبحان من أعطى ومنع ، وضر ونفع . هـ . ولما دعى صلى الله عليه وسلم قومه إلى الإسلام ، تعلّلوا بعلل واهية ، كما قال تعالى : { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ … }