Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 58-59)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " كم " : منصوب بأهلكنا . والبطر : الطغيان عند النعمة . قال في القاموس : البَطَر - محركة : النشاط ، والأشر ، وقلة احتمال النعمة ، والدهش ، والحيرة ، والطغيان بالنعمة ، وكراهة الشيء من غير أن يستحق الكراهية ، فعلى الكل : كفرح . هـ . ومعيشتها نصب بحذف الجار واتصال الفعل ، أي : في معيشتها . وجملة لم تسكن : حال ، والعامل فيها : الإشارة . يقول الحق جل جلاله : { وكم أهلكنا من قرية } ، أي : كثيراً أهلكنا من أهل قرية ، كانت حالهم كحالهم في الأمن والدعة ، وخصب العيش ، مِنْ وصفها { بَطِرَتْ } في { مَعِيشَتها } ، أي : طغت وتجبرت ولم تشكر ، بل قابلتها بالبطر والطغيان . قال القشيري : لم يعرفوا قدر نعمتهم ، ولم يشكروا سلامة أموالهم ، وانتظام أمورهم ، فهاموا في أودية الكفران على وجوهم ، وخَرُّوا في وَهدة الطغيان على أذقانهم ، فدمر الله عليهم وخرب ديارهم . { فتلك مساكنهم } خاوية ، أو : فتلك منازلهم باقية الآثار ، يشاهدونها في الأسفار كبلاد ثمود ، وقرى لوط ، وقوم شعيب ، وغيرهم ، { لم تُسكن من بعدهم إلا قليلاً } من السكنى ، أي : لم يسكنها إلا المسافر ، أو مار بالطريق يوماً أو ساعة ، { وكنا نحن الوارثين } لتك المساكن من سكانها ، أي : لا يملك التصرف فيها غيرنا . وفيه إشارة لوعد النصر لمتبع الهدى ، وأن الوراثة له ، لا أنه يتخطف كما قد قيل ، بل يقع الهلاك على من لم يشكر نعمة الله ، ويتبع هواه ، فكيف يخاف من تكون عاقبته الظفر ممن يكون عاقبته الدمار والتبار ؟ والحاصل : إنما يلحق الخوف من لم يتبع الهدى ، فإنه الذي جرت سنة الله في بالهلاك ، وأما متبع الهدى فهو آمن والعاقبة له . { وما كان ربك } وما كانت عادته { مُهلك القرى } بذنب { حتى يبعث في أُمِّها } ، أي : القرية التي هي أصلها ومعظمها لأن أهلها يكونون أفطن وأقبل . { رسولاً } لإلزام الحجة وقطع المعذرة ، أو : ما كان في حكم الله وسابق قضائه أن يهلك القرى في الأرض حتى يبعث في أمها ، وهي مكة لأن الأرض دحيت من تحتها . { رسولاً } يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم ، { يتلوا عليهم آياتنا } القرآن ، { وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلُها ظالمون } ، أي : وما أهلكناهم للانتقام ، إلا وأهلها مستحقون العذاب بظلمهم ، وهو إصرارهم على الكفر والمعاصي ، والعناد ، بعد الإعذار إليهم . والله تعالى أعلم . الإشارة : وكم خَرَّبْنَا من قلوب وأخليناها من النور ، حيث طغت وتجبرت في معيشتها ، وانشغلت بحظوظها وشهواتها ، فتلك أماكنها خاوية من النور ، لم تُسكن بالنور إلا قليلاً ، وكنا نحن الوارثين لها ، فأعطينا ذلك النور غيرها ، وما فعلنا ذلك حتى بعثنا من يُذكرها ويُنذرها ، وما كنا مهلكي قلوبٍ وَمُتْلِفيهَا إلا وأهلها ظالمون ، بإيثار الغفلة والشهوة على اليقظة والعفة . والله تعالى أعلم . وسبب هلاك هو حب الدنيا ، ولذلك حقرّ الله تعالى شأنها ، فقال : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ … }