Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 60-62)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " ما " شرطية ، وجملة : فمتاع … إلخ : جوابه . يقول الحق جل جلاله : { وما أُوتيتم من شيءٍ } من زهرة الدنيا { فمتاعُ الحياة الدنيا وزينتُها } أي : ايُّ شيء أحببتموه من أسباب الدنيا وملاذها فما هو إلا تمتع وزينة ، أياماً قلائل ، وهي مدة الحياة الفانية ، { وما عند الله } من النعيم الدائم في الدار الباقية ثواباً لأعمالكم { خير } من ذلك لأنه لذة خالصة في بهجة كاملة . { وأبقى } لأنه دائم لا يفنى { أفلا تعقلون } أن الباقي خير من الفاني ، فتستبدلون الذي هو أدنى يا الذي هو خير ؟ . وعن ابن عباس رضي الله عنه : إن الله خلق الدنيا ، وجعل أهلها ثلاثة أصناف المؤمن والمنافق والكافر ، فالمؤمن يتزود ، والمنافق يتربى ، والكافر يتمتع . ثم قرأ هذه الآية . وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " لو كانتِ الدنيا تَزِنُ عند الله جناحَ بعوضة لمى سَقَى الكافرَ منها شَرْبَةَ ماءٍ " رواه الترمذي . ثم قرر ذلك بقوله : { أفمن وعدناه وعداً حسنا } ، وهو الجنة إذ لا شيء أحسن منها ، حيث اشتملت على النظر لوجه الله العظيم ، ولأنها دائمة ، ولذا سميت الحسنى ، { فهو } : أي : الوعد الحسن { لاقيه } ومدركه ، لا محالة ، لامتناع الخلف في وعده تعالى ، { كمن متعناه متاع الحياة الدنيا } الذي هو مشوب بالكدر والمتاعب ، ، مستعْقب بالفناء والانقطاع ، { ثم هو يوم القيامة من المحضَرين } للحساب والعقاب ، أو : من الذين أحضروا النار . والآية نزلت في المؤمن والكافر ، أو : في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي جهل - لعنه الله - ، ومعنى الفاء الأولى : أنه لَمَّا ذكر التفاوت بين متاع الحياة الدنيا وما عند الله عقّبه بقوله : { أفمن وعدناه } أي : أبعد هذا التفاوت الجلي نُسَوي بين أبناء الدنيا وأبناء الآخرة ؟ والفاء الثانية للتسبيب ، لأنه لقاء الموعود مسبب عن الوعد . و " ثم " : لتراخي حال الإحضار عن حال التمتع . ومن قرأ : " ثم هْو " بالسكون ، شبه المنفصل بالمتصل ، كما قيل في عَضد - بسكون الضاد - . { و } اذكر { يوم يُنادِيهم } يوم ينادي الله الكفارَ ، نداء توبيخ ، { فيقول أين شركائيَ } في زعمهم { الذين كنتم تزعمون } أنهم شركائي ، فحذف المفعول لدلالة على الكلام عليه . والله تعالى أعلم . الإشارة : في الآية تحقير لشأن الدنيا الفانية ، وتعظيم لشأن الآخرة الباقية . وقد اتفق على هذا جميع الأنبياء والرسل والحكماء ، قديماً وحديثاً ، وقد تقدم آنفاً أنها لا تَزِن عند الله جناحَ بعوضة وفي حديث آخر : " ما الدنيا في جانب الآخرة ، إلا كما يُدخل أَحَدُكُمْ يده في البحر ثم يُخرجه ، فانظر ماذا يعلق به " بالمعنى : فنعيم الدنيا كله ، بالنسبة إلى نعيم الجنان ، كبلل الأصبع ، الذي دخل في الماء ثم خرج . مع أن نعيمها مكدر ، ممزوج بالأهوال والأحزان والمتاعب . وقد كتب علي بي أبي طالب إلى سلمان - رضي الله عنهما - : " إن مثل الدنيا كمثل الحية ، لينٌ مسها ، قاتل سمها ، فأعرض عنها ، وعما يعجبك منها ، لقلة ما يصحبك منها ودع عنك همومها لما تيقنت من فراقها ، وكن أسرّ ما تكون منها ، احذر ما تكون منها ، فإن صاحبها ، كلما اطمأن فيها إلى سرور أشخص منها إلى مكروه " . وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن هذه الدار دار الثوى ، لا دار استواء ، ومنزل ترح ، لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخائها ، ولم يحزن لشقائها - أي : لأنهما لا يدومان - ألا وإن الله خلق الدنيا دار بلوى ، والآخرة دار عقبى ، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً ، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي ، وأنها سريعة الثوى - أي : الهلاك - وشيكة الانقلاب ، فاحذروا حلاوة رضاعها ، لمرارة فطامها ، واهجروا لذيذ عاجلها لكريه آجلها ، ولا تسعوا في عمران دار قد قضى الله خرابها ، ولا تواصلوها وقد أراد الله منكم اجتنابها ، فتكونوا لسخطه متعرضين ، ولعقوبته مستحقين " هـ . ذكره ابن وداعة الموصلي . وذكر أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما سكن حب الدنيا قلب عبد إلا إلتاط منها بثلاث : شغل لا ينفد عناؤه ، وفقر لا يدرك غناه ، وأمل لا ينال منتهاه ، إن الدنيا والآخرة طالبتان ومطلوبتان ، فطالب الآخرة تطلبه الدنيا ، حتى يستكمل رزقه ، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يأخذ الموت بعنقه ، ألا وإن السعيد من اختار باقية يدوم نعيمها على فانية لا ينفك عذابها وقدّم لِمَا يُقْدِمُ عليه مما هو الآن في يده ، قبل أن يُخلفه لمن يسعد بإنفاقه ، وقد شقي هو بجمعه واحتكاره " . ثم ذكر مآل من اغتر فيها ، قال : { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ … } .