Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 63-67)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " هؤلاء " : مبتدأ . و " الذين " : صفته ، والعائد : محذوف ، و " أغويناهم " : خبر . والكاف في " كما " : صفة لمصدر محذوف ، أي أغويناهم غياً مثل ما غوينا ، و " لو أنهم " : جوابه محذوف ، أي : لما رأوا العذاب . يقول الحق جل جلاله : { قال الذين حقَّ عليهم القولُ } بالعذاب ، وثبت مقتضاه ، وهو قوله تعالى : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : 119 ] ، وهم الشياطين ، أو : أئمة الكفر : ورؤساء الكفرة : { ربنا هؤلاء } الكفرة { الذين أغوينا أغويناهم } أي : دعوناهم إلى الشرك وسوّلناه لهم ، قد غَووا غياً { كما } مثل ما { غَوَينا } يقولون : إنا لم نغو إلا باختيارنا ، فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم لأن إغواءنا لم يكن إلا وسوسة وتسويلاً ، فلا فرق إذن بين غينا وغيهم ، وإن كان تسويلنا داعياً لهم إلى الكفر فقد كان في مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان ، بما وضع فيهم من أدلة العقل ، وما بعث إليهم من الرسل ، وأنزل إليهم من الكتب ، وهذا كقوله : { وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ … } إلى قوله : { وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ … } [ إبراهيم : 22 ] . ثم قالوا : { تبرَّأنا إليك } منهم فيما اختاروه من الكفر ، { ما كانوا إيانا يعبدون } ، بل كانوا يعبدون أهواءهم ، ويطيعون شهواتهم . فَتَحَصَّلَ من كلام هؤلاء الرؤساء أنهم اعترفوا أنهم غَرُّوا الضعفاء ، وتبرؤوا من أن يكون آلهتهم ، فلا تناقض . انظر ابن جزي . وإخلاء الجملتين من العاطف لكونهما مقررتين للجملة الأولى . { وقيل } للمشركين : { ادعو شركاءَكم } أي : الأصنام لتُخلصكم من العذاب ، { فَدَعَوْهُمْ فلم يستجيبوا لهم } ، فلم يجيبوهم لعجزهم عن الإجابة والنصرة . { ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون } لَمَّا رأوا ذلك العذاب ، وقيل : " لو " للتمني ، أي : تمنوا أنهم كانوا يهتدون . { و } اذكر { يوم يُناديهم فيقولُ ماذا أجبتُمُ المرسلين } الذي أُرسلوا إليكم ؟ أي : بماذا أجبتموهم ؟ وهو أعلم بهم . حكي ، أولاً ، ما يوبخهم به من اتخاذهم له شركاء ، ثم ما تقوله الشياطين ، أو : أئمة الكفر عند توبيخهم لأنهم إذا وبخوا بعبادة الآلهة اعتذروا بأن الشياطين أو الرؤساء ، استغووهم ، ثم ما يشبه الشماتة بهم لاستغائتهم بآلهتهم وعجزهم عن نصرتهم . ثم ما يُبَكَّتُونَ به من الاحتجاج عليهم بإرسال الرسل وإزاحة العلل . قال تعالى : { فعَمِيتْ عليهم الانبياء يومئذِ } خفيت عليهم الحجج أو الأخبار . وقيل : خفي عليهم الجواب ، فلم يدروا بماذا يجيبون إذ لم يكن عندهم جواب . قال البيضاوي : وأصله : فعموا عن الانباء ، لكنه عكس مبالغة ودلالة على أن ما يحضر الذهن إنما يفيض ويرد عليه من خارج ، فإن أخطأه لم يكن له حيلة إلى استحضاره ، والمراد بالأنباء : ما أجابوا به الرسل ، أو : ما يعمها وغيرَها ، فإذا كانت الرسل يتلعثمون في الجواب عن مثل ذلك من الهول ، ويفوضون إلى علم الله تعالى فما ظنك بالضلال من البُهم ؟ . هـ . { فهم لا يتساءلون } لا يسأل بعضهم بعضاً عن الجواب لفرط الدهشة ، أو : عن العذر والحجة ، عسى أن يكون عندهم عذر أو حجة . { فأما من تابَ } من الشرك { وآمَنَ } بربه وبمن جاء من عنده ، { وعَمِلَ صالحاً } أي : جمع بين الإيمان والعمل ، { فعسى أن يكون من المفلحين } من الفائزين عند الله بالنعيم المقيم . و " عسى " ، من الكِرام ، تحقيق . وفيه بشارة للمسلمين على الإسلام ، وترغيب للكافرين في الإيمان . وبالله التوفيق . الإشارة : قال الذين حق عليهم القول بالانحطاط عن درجة المقربين ، والبقاء مع عامة أهل اليمين ، وهم الصادُّون الناسَ عن الدخول في طريق القوم : ربنا هؤلاء الذين أغوينا زيناً لهم البقاء مع الأسباب ، والوقوف مع العوائد ، أغويناهم كما غوينا ، فحيث لم نَقَوَ على مقام أهل التجريد ، قوينا سوادنا بهم ، تبرأنا إليك لأنا لم نقهرهم ، ولكن وسوسنا لهم ذلك ، ما كانوا إيانا يعبدون ، ولكن عبدوا هوى أنفسهم . ثم يقال لهم : ادعوا ما كنتم تعبدونه من حظوظ الدنيا وشهواتها ، فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ، ورأوا عذاب القطيعة ، لو أنهم كانوا يهتدون إلى اتباع أهل التربية ما وقعوا في ذلك . ويوم يناديهم فيقول : ماذا أجبتم الداعين ، الذين أرسلتهم في كل زمان ، يدعون إلى الله ، ويرفعون الحجاب بينهم وبين ربهم ، فعميت عليهم الأنبياء يومئذٍ ، فهم لا يتساءلون عن أحوال المقربين ، لغيبتهم عنهم . والله تعالى أعلم . ثم بين الله تعالى بعض صفاته الحسنى ، فقال : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ … }