Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 19-23)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : يقال : بدأ الله الخلق ، وأبداه : بمعنى واحد ، وقد جاءت اللغتان في هذه السورة . وقوله : يُعيده : عطف على الجلمة ، لا على يبدئ لأن رؤية البداءة بالمشاهدة بخلاف الإعادة ، فإنها تُعْلَمُ بالنظر والاستدلال ، وهم لا يقرونها ، لعدم النظر . وقد قيل : إنه يريد إعادة النبات وإبداءه ، وعلى هذا تكون ثم يعيده : عطفاً على يبدئ . يقول الحق جل جلاله : { أَوَلَم يروا } أي : كفار قريش { كيف يُبدىءُ اللهُ الخلقَ } أي : يظهره من العدم ، أي : قد رأوا ذلك وعلموه ، { ثم يُعيده } بالبعث للجزاء بالعذاب والثواب . قال القشيري : الذي دَاخَلَهم في الشكُّ هو بعث الخلَق ، فاحتجَّ عليهم بما أراهم من فصول السنة بعد نقضها ، وإعادتها على الوجه الذي كان في العام الماضي . وكما أن ذلك سائغٌ في قدرته ، كذلك بُعث الخلق . هـ . ونحوه لابن عطية وغيره . كما هو مشهود في الثمار ، من كونها تبدأ ، فتجنى ، ثم تفنى ، ثم تعيدها مرة أخرى . وكذلك يبدئ خلق الإنسان ، ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولداً ، وخلق من الولد ولداً آخر ، وكذا سائر الحيوان . وهذا يرشح صحة عطف " يعيد " على " يبدئ " . { إن ذلك على الله يسيرٌ } أي : الإعادة بعد الإفناء يسيرة على قدرة الله تعالى . { قُلْ سيروا في الأرض } أي : قل يا محمد ، وإن كان من كلام إبراهيم فتقديره : وأوحينا إليه أن قل : سيروا في الأرض ، { فانظروا كيف بدأَ الخلقَ } على كثرتهم ، واختلافْ أحوالهم وألسنتهم وألوانهم وطبائعهم ، تفاوت هيئاتهم ، لتعرفوا عجائب قدرة الله بالمشاهدة ، ويقوي إيمانكم بالبعث ، وهو قوله : { ثم الله ينشىءُ النشأةَ الآخرةَ } أي : البعث ، وهذا دليل على أنهما نشأتان : نشأة الاختراع ونشأة الإعادة ، غير إن الآخرة إنشاء بعد إنشاء ، والأولى ليست كذلك . والقياس أن يقال : كيف بدأ الله الخلق ثم ينشىء النشأة الآخرة ، وإنما عدل عنه لأن الكلام معهم وقع في الإعادة ، فلما قررهم في الإبداء ، بإنه من الله ، احتج بأن الإعادة إنشاء مثل الإبداء ، فإذا لم يعجزه الإبداء وجب ألا يعجزه الإعادة فكأنه قال : ثم ذلك الذي أنشأ الأولى هو الذي يُنشىء النشأة الآخرة ، فللتنبيه على هذا أبرز اسمه وأوقعه مبتدأ . قال النسفي . { إن الله على كل شيءٍ قديرٌ } فلا يعجزه شيء . { يُعذِّب من يشاء } بعدله { ويرحم من يشاء } بفضله ، أو : يُعذب من يشاء بالخذلان ، ويرحم بالهداية للإيمان ، أو : يُعذب من يشاء بالحرص ، ويرحم من يشاء بالقناعة ، أو : يُعذب بالتدبير والاختيار ويرحم بالرضا والتسليم لمجاري الأقدار ، أو : يُعذب بالإعراض عنه ، ويرحم بالإقبال عليه ، أو : بالاستتار والتجلي ، أو : بالقبض والبسط ، أو بالمجاهدة والمشاهدة ، إلى غير ذلك . { وإليه تقلبون } تُردون للحساب والعقاب . { وما أنتم بمعجزين } أي : بفائتين ربكم إن هربتم من حكمه وقضائه ، { في الأرض } الفسيحة ، { ولا في السماء } التي هي أفسح منها وأبسط ، لو كنتم فيها . { وما لكم من دون الله من وليٍّ } يتولى أموركم ، { ولا نصير } ولا ناصر يمنعكم من عذابه . { والذين كفروا بآيات الله } بدلائله على وحدانيته ، أو كتبه ، أو معجزاته ، { ولقائه } وكفروا بلقائه ، { أولئك يئِسُوا من رحمتي } جنتي ، { وأولئك لهم عذابٌ أليم } موجع . وبالله التوفيق . الإشارة : أَوَلَمْ ير أهل فكرة الاستبصار كيف يظهر الحقُّ تجلياته من عالم الغيب إلى عالم الشهادة ، ثم يبطنها ، فيردها لأصلها من اللطافة ، ثم ينشأها النشأة الثانية ، تكون معانيها أظهر من حسها ، وقدرتُها أظهر من حكمتها ، فليس عند أهل التوحيد الخاص شيء يفنى ، وإنما يُبطن ما ظهر ، ويُظهر ما بطن ، ولا زائد على أسرار الذات وأنوار الصفات . وهذا أمر لا يدركه إلا أفراد الرجال بصحبة أكابر الرجال ، وهو لُب العلم ، وخالصة طريقة ذكر الله ، والتفرغ عن كل شيء ما يشغل عن الله ، بعد قتل النفوس وحط الرؤوس وبذل الفلوس . وبالله التوفيق . ثم ذكر جواب قوم إبراهيم ، فقال : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ … }